الأولىخرجات النجوم

محمد فرج العداء الساجد .. من الرعب والحرب الى القمة و  منصة التتويج

في دفتر الرياضة.. ذكريات كل منها يحوي على ما كان من أحداث، ويبشر بما هو آت ومع هذه وتلك تكون الحكايات. في ليلة ظلماء توارى فيها القمر خلف سحب دخان كثيف، استيقظ مفزوعاً مع إخوته على أصوات القنابل ودوي المدافع، احتضنتهم الأم، تكومت فوقهم في ركن صغير يحتمون بجدران متهالكة في بيت قديم بأحد الأحياء الفقيرة بمقديشيو، عاصمة الصومال التي بدأت تئن من مناوشات جماعات المعارضة العشائرية المسلحة ضد قوات الرئيس سياد بري. قبل أن تتحول بعد ذلك إلى حرب أهلية.. بترقب بالغ، انتظروا خيوط الفجر البيضاء، لعل النهار ينهي المعارك ويخمد صوت المدافع.. مرت الساعات كالدهر، عاد الهدوء الحذر إلى المكان، حينذاك همس في أذن أمه بصوت خافت وبراءة طفل لم يبلغ السادسة من عمره بعد، سألها: “ماذا أفعل لو حدث هذا وأنا عائد من المدرسة؟”.. قالت وهي تهدئ روعه: “اركض يا محمد. اركض بأسرع ما يمكن حتى أقرب جدار تحتمي خلفه، وإن لم تجد فانبطح أرضاً”.. هذه الكلمات التي قالتها الأم في لحظات رعب أخفتها عن صغارها، كانت هي نبراس الحياة لذلك الطفل الهامس، ومشكاة لمسيرة ولد فيها حلم كبير من رحم الفزع والمعاناة.. اختار الطفل محمد الخيار الأول، تآلف مع الخطر.. أصبح يجري كلما سمع صوت الـ «بوم».. يطلق لساقيه العنان.. يشق الريح بوجهه الصغير وجسده النحيل، حتى يدرك الأمان. تكرر المشهد لمدة عام في نهاية الثمانينات، حيث اعتاد العدو كالظبي المارق كلما سمع صوت الـ«بوم».. حتى بعد أن انتقلت أسرته إلى جيبوتي قبل أن تتجه إلى إنجلترا عام 1993 وعمره 10 سنوات، مستفيدة من حق اللجوء السياسي هناك، كان يجري بلا هوادة وكأنه يسابق الزمن بحثاً عن ذات مجهولة تبحث عن نفسها. في المدرسة الابتدائية التي انخرط فيها بلندن، شاهده مستر ألن واتكينسون مدرس التربية الرياضية في ملعب كرة القدم، لاحظ سرعته، نصحه بالانضمام لفريق ألعاب القوى، واصطحبه إلى المدرب ستوري الذي وجد فيه ما يبشر بمولد عداء عالمي، لاسيما بعد أن فاز باكتساح في أول سباق، حين انطلق كالريح عند سماعه إشارة البدء من مسدس الصوت اليدوي: “بوم”! منذ ذلك الحين، انطلق محمد فرح المولود في 23 مارس عام 1983 في مضامير السباق، ظل يركض إلى أن أصبح بطلاً، يحقق الإنجاز تلو الآخر، تجول في رحلات الإعداد.. تدرّب في كينيا وإثيوبيا، معقلي سباقات المسافات الطويلة، قبل انتقاله إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 2011 ليتدرب مع مدربه الكوبي ألبرتو سالازار. واستطاع أن يرد الجميل لبلده الجديد إنجلترا التي منحته كل شيء فلم يبخل عليها بشيء، ومنحها مجموعة من الميداليات الذهبية الأولمبية أضيفت إلى رصيدها المحدود قياساً بدول أوروبية أخرى. يقول فرح عن زوجته «تانيا» ذات الأصول البريطانية: هي من لعبت الدور الأكبر في مسيرتي، ولولاها ما استطعت الوصول إلى ما أنا فيه، وأعتقد أن تربيتي ونشأتي الإسلامية كانت السبب الرئيسي في أسلوب معاملتي مع زوجتي. “تانيا”، تعاملت مع محمد فرح أو «مو» كما يطلق عليه الإنجليز كأنها أم له، كانت بالنسبة له كل شيء في عالمه الخاص، تسعى لنجاحه، تنظم له كل أموره، تحضر تدريباته وسباقاته، حتى وهي حامل حرصت على الحضور معه في الأولمبياد.
وطبعت على شفتيه قبلة النصر، بعد أن سجد لله شكراً في مضمار السباق ليرسم صورة مضيئة عن سماحة الإسلام بالنسبة للغرب، وأن التزامه الديني لا يعني عدم انصهاره مع المجتمع الغربي والإنجليزي.

الصومال

محمد فرح الذي أظهرت إحدى الدراسات عام 2013، أنه من بين 500 مسلم الأكثر نفوذاً في العالم، لم ينس قط وطنه الأم، وظل يذكره عند كل إنجاز يحققه لبريطانيا التي يؤكد فضلها عليه فيما وصل إليه، وقد دأب منذ سنوات على إرسال المساعدات لأهله وذويه ولفقراء الصومال عبر أقاربه هناك، كما يقوم بأعمال خير أخرى في بعض الدول الإفريقية في كينيا وجيبوتي. ومن أهم أقواله: أنا عادةً أصلي قبل أي سباق، وأقرأ القرآن الذي يُحثنا على العمل بجد في كل ما نفعله، لذلك أنا أعمل بجد خلال التدريبات، وأسأل الله التوفيق، لأن النجاح لا يأتي بين عشيةٍ وضحاها، لابد من المثابرة حتى تصل إلى ما تريد.

نور الدين عطية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
P