تحقيقات وروبورتاجات

الكاميرات فضحت عبد اللاوي و سعد لكن “ما خفي أعظم” ..الشتم في الملاعب الجزائرية…سرطان ينخر بطولتنا

لم تعد ظاهرة الشتم في الملاعب الجزائرية تقتصر على المدرجات فقط بل امتدت إلى أرضية الميدان و أبطالها هذه المرة لاعبون يُفترض أنهم يمثلون الروح الرياضية و القدوة الحسنة، الحادثتان اللتان كان بطلاهما أيوب عبد اللاوي لاعب مولودية الجزائر و سعد عبد الجليل لاعب اتحاد بسكرة شكلتا صدمة كبيرة في الأوساط الكروية، حيث شتم عبد اللاوي الحكم خلال لقاء فريقه أمام شباب بلوزداد بينما أقدم سعد على نفس السلوك في مباراة اتحاد بسكرة ضد اتحاد العاصمة، المشترك في الحالتين أن الشتائم كانت على المباشر أمام ملايين المشاهدين ما جعل العقوبات المسلطة على اللاعبين بالإيقاف لست مباريات تبدو غير كافية مقارنة بحجم الضرر الذي لحق بصورة الكرة الجزائرية، سيما و أن هذه التجاوزات الخطيرة تطرح تساؤلات حول مستوى الوعي و الانضباط لدى بعض اللاعبين و تكشف عن أزمة أخلاقية تحتاج إلى معالجة جذرية.

المدرجات تتحول إلى ساحات شتائم بدل فضاء للتشجيع

لم تعد المدرجات الجزائرية مجرد فضاء للتشجيع و التحفيز بل تحولت إلى منصات للسب و الشتم و الإهانات الجماعية، خاصة و أن الجمهور الذي يفترض أن يكون اللاعب رقم 12 صار أحيانًا عامل ضغط سلبي يتجاوز حدود النقد البناء إلى التجريح و الشتم الذي يطال اللاعبين و حراس المرمى و حتى عائلاتهم، و لعلّ حادثة مدرب نجم بن عكنون محمد مانع الذي استقال بعد تعرض والدته للشتم رغم أن فريقه كان متصدرًا تعكس حجم هذه الظاهرة و مدى تأثيرها على معنويات الفاعلين في الميدان، ما يؤكد أن هذه التصرفات تنم عن غياب ثقافة التشجيع الرياضي السليم و تكشف عن حالة احتقان اجتماعي يتم تصريفها في الملاعب عبر موجات من العنف اللفظي.

حكام تحت الضغط.. الشتائم تُهدد هيبة التحكيم

يعيش الحكام في الجزائر بين المطرقة و السندان، ففي كل جولة يتعرض بعضهم لوابل من الشتائم من الجماهير و أحيانًا من اللاعبين و المدربين، هذه الضغوطات تؤثر على أدائهم و تجعلهم يفقدون التركيز مما ينعكس سلبًا على قراراتهم و الأدهى من ذلك أن بعض الحكام أنفسهم أصبحوا ينزلقون في موجة الشتائم في لحظات الغضب و الانفعال ما يجعل فقدان السيطرة على المباريات أمرًا متوقعًا، إذ تعكس هذه الظاهرة غياب الاحترام المتبادل بين مختلف أطراف اللعبة و تضعف من هيبة التحكيم كمؤسسة يفترض أن تضمن سير المباريات في إطار من الانضباط و العدالة. من جانبهم يتحمل المدربون جزءًا من المسؤولية تجاه انتشار ظاهرة الشتم في الملاعب بما أن البعض منهم يغض الطرف عن تصرفات لاعبيهم بدعوى الضغط العصبي أو الرغبة في الفوز، بل إن البعض يشجع على استخدام الشتائم كنوع من التحفيز و التنفيس، هذه الممارسات ساهمت في تطبيع السلوكيات العدوانية داخل الفرق و جعلت الشتائم جزءًا من ثقافة الملاعب خصوصًا في الأقسام السفلى، حيث تُروى قصص كثيرة عن تجاوزات لفظية لا تصل إلى وسائل الإعلام عندما يفقد المدرب دوره التربوي و يتحول الفريق إلى ساحة فوضى ينعدم فيها الاحترام و تنعدم معها الروح الرياضية.

إدارات الأندية.. صمت مريب يُغذي الظاهرة

كشفت الأحداث الأخيرة أن إدارات الأندية الجزائرية لا تقوم بالدور المطلوب في التصدي لهذه الظاهرة، ففي حادثة أيوب عبد اللاوي و رغم اعتذار اللاعب إلا أن إدارة مولودية الجزائر لم تصدر أي بيان رسمي للاعتذار أو التنديد بسلوك اللاعب، إذ يعكس هذا الصمت غياب الصرامة في التعامل مع مثل هذه التصرفات. يضع اللاعبون في البطولات الأوروبية و المدربون أيديهم على أفواههم أثناء الحديث لتجنب التقاط الكاميرات لأي كلمة غير لائقة، هذه الثقافة تعكس مستوى عالٍ من الاحترافية و الوعي بأهمية الصورة التي يقدمها الرياضيون لمتابعيهم و هي السلوكات التي تؤكد الفرق الشاسع بين ملاعبنا التي أصبحت فضاءً مفتوحًا للشتائم و الملاعب الأوروبية حيث يحاسب اللاعب على أي تصرف يسيء لصورة ناديه أو جماهيره.

إصلاح أخلاقي يبدأ بعقوبات صارمة و حملات توعية

تتطلب محاربة ظاهرة الشتم في الملاعب تدخلًا جادًا من السلطات الرياضية و الأمنية على حد سواء، إذ ينبغي تطبيق عقوبات صارمة على كل من يثبت تورطه في السب أو الشتم سواء كان لاعبًا أو مدربًا أو حكمًا أو مشجعًا، كما يمكن أيضًا اتخاذ إجراءات مثل منع الجماهير المخالفة من دخول الملاعب لفترات طويلة و فرض غرامات مالية كبيرة على الأندية التي لا تضبط سلوك جماهيرها. تبقى حادثة اعتذار زين الدين زيدان بعد نطحه لماركو ماتيرازي في نهائي كأس العالم 2006، مثالًا يُحتذى به في تحمل المسؤولية، و رغم الاستفزاز الذي تعرض له زيدان إلا أنه أدرك حجم تأثير تصرفه على الجماهير وخاصة الأطفال و اعتذر علنًا، هذه الثقافة تغيب عن ملاعبنا حيث من النادر أن نرى لاعبين أو مدربين يعترفون بأخطائهم أو يسعون لتقديم صورة إيجابية، و هي التصرفات التي تجعل الاتحاد الجزائري و الرابطة المحترفة مطالبان باتخاذ إجراءات صارمة للحد من هذه الظاهرة مثل فرض عقوبات قاسية تصل إلى الإيقاف المطول و حتى الشطب إلى جانب تكثيف حملات التوعية بمشاركة اللاعبين و المدربين و الجماهير حتى لا تتكرر مثل هذه المشاهد و الصور المؤسفة.

نور الدين عطية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى