فوزية نحاوة (مدربة وحكمة وطنية في الكيك بوكسينغ): “المرأة الجزائرية قادرة على إقتحام أصعب المجالات”
في عالم الرياضات القتالية الذي يشتهر بحضوره الرجالي، تبرز بعض الشخصيات النسائية لتفرض نفسها بقوة الإرادة. فوزية نحاوة، ابنة ولاية سطيف، ليست مجرد مدربة للكيك بوكسينغ أو حكمة وطنية، بل هي قصة إصرار وتحدٍ، ورمز حي على أن المرأة الجزائرية قادرة على اقتحام أصعب المجالات وصناعة النجاح. في حوارها مع بولا، تكشف لنا فوزية عن قصة مسيرتها، فلسفتها في الرياضة، ورؤيتها لمستقبل الكيك بوكسينغ في الجزائر.
بداية، ما هي قصة الفتاة التي اختارت الكيك بوكسينغ، وكيف تحولت من مجرد ممارسة للرياضة إلى رائدة تحمل رسالة للمرأة الجزائرية؟
“قصتي مع الفنون القتالية بدأت مبكراً جداً، وتحديداً سنة 1994،حيث لم أكتفِ بنوع واحد من الفنون القتالية، بل كانت رحلة شغف طويلة قادتني لممارسة أكثر من سبعة أنواع مختلفة من الفنون القتالية، قبل أن أستقر بشكل نهائي على رياضة الكيك بوكسينغ، لقد كانت مسيرة شائكة ومليئة بالمصاعب والتحديات، خاصة وأنني كنت أجمع بين مسؤولياتي كزوجة وأم لثلاثة أولاد، وبين طموحي الرياضي الكبير، أتذكر جيداً أياماً عصيبة كنت أتنقل فيها من ولاية سطيف إلى غاية ولاية سكيكدة لأدرس وأتخرج كحكم ناجح، لم تكن هذه الرحلة لتكتمل لولا دعم عائلتي وتشجيعهم الذي كان الوقود الذي أشعل إصراري، واليوم، والحمد لله، أصبحت أول حكمة وطنية في ولاية سطيف، وأنا أحمل رسالة أن المرأة الجزائرية قادرة على اقتحام أصعب المجالات وتحقيق المستحيل إذا امتلكت الإرادة والإصرار.”
بصفتك حكمة وطنية ومدربة، ما هو الشيء الذي يجهله الجمهور الرياضي عن هذه الرياضة وتريدين أن تكشفيه لهم من خلال تجربتك؟
“أود أن يعرف الجمهور أن الكيك بوكسينغ التابعة للمنظمة العالمية ‘واكو’ (WAKO)، وهي رياضة قتالية متعددة المستويات، وليست مجرد رياضة عشوائية، لها عدة تخصصات تنقسم إلى قسمين رئيسيين: منازلات الحلبة التي تشمل (K1، لاو كيك، والفول كونتاكت)، ومنازلات البساط التي تشمل (لايت كونتاكت، كيك لايت، قتال النقطة)، كل تخصص له قواعده وتقنياته الخاصة التي يجب احترامها. من جهة أخرى، أريد أن أسلط الضوء على أن الكيك بوكسينغ رياضة شاملة، تتجاوز الجانب البدني لتؤثر على الصحة النفسية، حيث تساعد على تقليل التوتر وزيادة الثقة بالنفس والتركيز، ومن خلال تجربتي، أود أن أكشف عن أهمية التدريب الآمن والمنظم الذي يتطلب احترافية عالية لتجنب الإصابات، إضافة إلى دور المجتمع في هذه الرياضة، حيث يشكل دعم المدربين واللاعبين الآخرين عاملاً مهماً لتحقيق النجاح.
في رياضة تعتمد على القوة البدنية، ما هو تعريفك الشخصي للقوة الحقيقية التي يجب أن يمتلكها اللاعب أو اللاعبة؟
“القوة الحقيقية في رأيي لا تقتصر أبداً على القوة العضلية وحدها، هي مفهوم متكامل يشمل مجموعة من العناصر التي تمكن اللاعب من الأداء بأفضل ما لديه، أولاً وقبل كل شيء، هناك القوة العضلية والتحمل، وهما أساس الأداء، ثم تأتي السرعة والمرونة، اللتان تعتبران حاسمتين في رياضة تتطلب ردود فعل سريعة وتجنب الإصابات، لكن الأهم من ذلك كله، هو القوة الذهنية، فالقدرة على التعامل مع الضغوط النفسية والاستمرار في التركيز خلال المنافسات هي ما يميز البطل الحقيقي. كما أن الذكاء البدني، أي القدرة على قراءة المباراة وتوقع حركات الخصم، يلعب دوراً كبيراً في تحقيق الفوز، الحفاظ على الصحة العامة من خلال التغذية السليمة والراحة الكافية هو ما يضمن استمرارية الأداء على المدى الطويل، القوة الحقيقية للاعب هي مزيج من هذه العناصر السبعة، وهي ما تجعل منه رياضياً متكاملاً وقادراً على النجاح.
ماذا تعني لك عبارة “حكم وطني”؟
“عبارة ‘حكم وطني’ تعني لي أكثر من مجرد سلطة، إنها تمنحني مسؤولية إضافية وكبيرة في حماية الرياضيين وتطوير اللعبة، بصفتي حكماً، أتحمل مسؤولية تطبيق قواعد اللعبة بكل دقة وإنصاف لضمان عدالة المنافسة، وحماية سلامة الرياضيين من أي إصابات محتملة، كما أنني أرى في هذا الدور فرصة لتعزيز القيم الرياضية مثل الروح الرياضية والاحترام والانضباط بين اللاعبين والفرق، الحكم الوطني ليس مجرد شخص يطبق القوانين، بل هو شخص مؤثر في تطوير الرياضة وتحسين مستواها، وهذا ما أحاول أن أكونه.”
كيف ترين مستقبل الكيك بوكسينغ النسوي في الجزائر بعد إسهاماتك، وما هي الخطوة الأهم التي يجب على الجهات المسؤولة اتخاذها لدعم هذا التطور؟
“أرى أن مستقبل الكيك بوكسينغ النسوي في الجزائر واعد جداً. لدينا بطلات عالم وحكمات دوليات، والاتحادية الجزائرية تنشط بفعالية مع المنظمة العالمية (WAKO)، لكن الخطوة الأهم التي يجب على الجهات المسؤولة اتخاذها هي تكوين العنصر النسوي في التحكيم، ففي ولاية سطيف، على سبيل المثال، لا توجد حكمة أخرى غيري. هذا النقص يضع علي عبئاً كبيراً كمدربة، لأنني لا أستطيع أن أكون بجانب بطلاتي أثناء النزالات التي أحكمها، وهذا قد يؤثر على أدائهن، لذلك، أنا أعمل بجد لتطوير وتكوين العنصر النسوي، لأن وجود حكمات إضافيات سيساهم بشكل كبير في تعزيز التطور بهذه الرياضة.”
ما هو القرار الأصعب الذي اتخذتِه في مسيرتك المهنية كمدربة أو كحكمة، وهل كان لهذا القرار أثر في تحديد مسارك المستقبلي؟
“بصراحة، العبء الأكبر يقع علي كمدربة. تحضير الرياضيين ليس بالأمر الهين؛ فنحن نعمل على برنامج تدريبي يستمر لسنة كاملة لننال اللقب في منافسة ما. هذا العمل يتطلب جهداً كبيراً وتضحية، لكنه في المقابل يمنح شعوراً لا يوصف بالنجاح عند رؤية اللاعبين يحققون أحلامهم. أما أصعب قرار، فهو كان قرار التوفيق بين مسؤولياتي كأم وزوجة وبين طموحاتي الرياضية، لكن حبي لما أقوم به ودعم عائلتي كانا السر في نجاحي، أنا فخورة بأنني صنعت مسيرة لم تكن سهلة، لكنها كانت ضرورية لأثبت أن كل شيء ممكن بالإصرار، وهذا هو الإرث الذي أطمح لتركه لأبناء وطني.”
بماذا تريدين أن تُعرفي بعد سنوات من الآن؟ هل كمدربة صنعت أبطالاً، أم كحكمة رفعت مستوى التحكيم، أم كقدوة فتحت الباب للجيل القادم من النساء؟
“أود أن يُعرف عني أنني تركت إرثاً يلهم الأجيال القادمة، ويعزز مكانة الجزائر في هذه الرياضة، وهذا الإرث يتجاوز كونه نجاحاً شخصياً؛ فهو يتعلق بصناعة أبطال يرفعون علم الجزائر، وتطوير مستوى التحكيم لضمان عدالة المنافسة. بصراحة، أطمح أن أكون قدوة فتحت الباب للفتيات، وأظهرت لهن أن رياضة الكيك بوكسينغ ليست حكراً على الرجال، أود أن أُعرف كشخصية عززت القيم الرياضية، وطورت المواهب الشابة، وساهمت في تحقيق إنجازات رياضية، كما أعمل على تعزيز الوعي بأهمية الرياضة في تحسين الصحة العامة والروح الرياضية في المجتمع. أعتقد أن هذا الإرث قد بدأ بالفعل، حيث شهدت الجزائر تطوراً ملحوظاً في هذه الرياضة خلال السنوات الأخيرة، بفضل ظهور رياضيين ومدربين متميزين وتحقيق إنجازات عالمية ومحلية.”
حاورتها: حليمة. خ




