تيارت … البطولة الوطنية للرياضة المدرسية بين المنتخبات … تنظيم مُحكم و بطولة ناجحة

في زمن تتسارع فيه وتيرة التحولات التربوية والرياضية، وتتشكل فيه ملامح أجيال الغد، تبقى الرياضة المدرسية واحدة من أهم الركائز التي يُبنى عليها طموح الأمم، ليس فقط في تنمية الأجسام، بل في صناعة العقول، وغرس روح الانضباط، وقيم المنافسة الشريفة، والعمل الجماعي. إنها المدرسة الثانية، التي تكمّل دور القسم، وتُخرج من رحمها أبطالًا مثلوا الوطن في كبريات المحافل، بعدما اكتُشفوا في ملاعب المدارس والساحات التربوية.فمنذ سنوات، ظلّت الرياضة المدرسية مهمّشة تعاني من غياب الدعم الحقيقي، والتنسيق الفعلي بين مختلف القطاعات المعنية، إلى أن عادت إلى الواجهة بقوة، بفضل توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وتوصيات مجلس الوزراء المنعقد في سبتمبر 2024.
حيث تم التأكيد على ضرورة إعادة الاعتبار لهذا المجال الحيوي، وتفعيله ليكون قاعدة صلبة لاكتشاف المواهب وتأطيرها في إطار منظم، بما يخدم المنظومة التربوية والرياضية الوطنية على حد سواء.وفي هذا السياق، جاءت البطولة الوطنية للرياضة المدرسية بين المنتخبات، كواحدة من أبرز المحطات التي تعكس هذا التوجه الجديد، إذ تحوّلت إلى فضاء حيوي لتفجير الطاقات، وتعزيز التلاحم بين أبناء الوطن من مختلف ولايات الجمهورية. والحدث هذه السنة كان له طعم خاص، حين احتضنت ولاية تيارت فعاليات هذه البطولة المدرسية الوطنية لكرة القدم (أشبال وشبلات)، خلال الفترة الممتدة من 12 إلى 17 جويلية 2025، وسط تنظيم محكم وأجواء تربوية ورياضية عالية.
تيارت نبض البطولة وروح التنظيم
تحت شعار “المدرسة تُبدع والمواهب تُصنع”، وفي مشهد يعكس عودة الوعي بقيمة الرياضة في الوسط التربوي، فتحت ولاية تيارت ذراعيها لاستقبال قرابة 300 رياضي ورياضية يمثلون عددًا من الولايات المشاركة، على غرار تيارت (الولاية المنظمة)، وهران، بني عباس، بومرداس، سطيف، البويرة، معسكر، تمنراست، سوق أهراس، في حين سُجل غياب ولاية مستغانم رغم توجيه الدعوة لها. وتجلّى الحس العالي بالمسؤولية من خلال الرعاية السامية لوالي الولاية السيد خليل سعيد، ودعم مدير التربية السيد صالح بن دادة، ومدير الشباب والرياضة السيد عمر سلاني، إلى جانب تجند كامل مستخدمي قطاع الشباب وأساتذة التربية البدنية والرياضية، الذين لم يدّخروا جهدًا في سبيل ضمان نجاح الحدث من جميع الجوانب التنظيمية، الأمنية، والصحية.
استُقبل المشاركون في معهد التكوين والتربية، الذي تحوّل إلى فضاء للإيواء والتغذية والراحة، بينما أُجريت المنافسات في أربعة ملاعب مجهزة وهي مركب قائد أحمد، ملعب آيت عبد الرحيم، ملعب كارمان، وملعب الدحموني، ما وفّر تنوّعًا وراحة في برمجة اللقاءات.
تنظيم محكم رغم حرارة الطقس
رغم ارتفاع درجات الحرارة خلال أيام البطولة، لم يتوانَ المنظمون في اتخاذ التدابير اللازمة لضمان راحة اللاعبين واللاعبات، حيث تقرر أن تُجرى المباريات صباحًا على الساعة الثامنة، ومساءً عند الساعة السادسة، تفاديًا للتعب والإرهاق وضمانًا للآداء الجيد. وقد تم تقسيم المباريات بدقة، مع اعتماد نظام دوري مصغّر ثم خروج المغلوب، ما أضفى حماسة إضافية على كل لقاء. كما تولى أساتذة مختصون في التربية البدنية والانتقاء الرياضي مهمة رصد واختيار المواهب البارزة، على غرار الأستاذ بولنوار أحمد، والأستاذ كلاخي ، اللذان أشرفا على متابعة المباريات بملعب قائد أحمد، من أجل تدوين الأسماء الواعدة ورفعها للجهات المعنية ضمن إطار برنامج الانتقاء الوطني.
وفي الجانب التحكيمي، تجنّد حكام رابطة تيارت لكرة القدم، بقيادة رئيس لجنة الحكام عبد الصمد عبد السلام، لإدارة اللقاءات بكل احترافية، حيث لاقت قراراتهم استحسان الفرق المشاركة، وساهموا في إنجاح الدورة من حيث الالتزام والعدالة داخل الميدان.ولم يكن الحدث مجرد بطولة تنافسية، بل تحول إلى عرس رياضي مدرسي بامتياز، اجتمع فيه التلميذ والمعلم، المسؤول والمدرب، الأسرة والمجتمع، في مشهد يؤكد أن للمدرسة دورًا أوسع من التعليم، فهي تصنع المواطن الكامل المتوازن، الذي يدرس، ويتنفس الرياضة، ويعتز بالانتماء للوطن.
رسائل البطولة ومكاسبها
بعيدًا عن الألقاب والكؤوس، حملت بطولة تيارت المدرسية في طيّاتها عدة رسائل تربوية ووطني أولها أن المدرسة ليست فقط مكانًا للعلم، بل فضاءً لاكتشاف الذات وتنمية المواهب.ثانيها أن تنسيق الجهود بين قطاعي التربية والشباب والرياضة يُنتج فعاليات ناجحة وذات صدى وطني.ثالثها أن الإرادة السياسية والدعم المحلي الجاد كفيلان بإعادة الاعتبار للرياضة القاعدية.
نحو رؤية وطنية شاملة
نجاح هذه البطولة يدفعنا إلى طرح تساؤلات جوهرية عن مستقبل الرياضة المدرسية،متى يتم إدماج الرياضة في استراتيجية وطنية متكاملة؟متى نربط بين المدارس والنوادي والمنتخبات في إطار منظومة انتقاء وتكوين موحدة؟متى نمنح للأساتذة والكوادر التربوية الدور الحقيقي في بناء أبطال الغد؟لقد أظهرت تيارت من خلال هذا الحدث أنها ليست فقط مدينة الفروسية والفن، بل أيضًا مدينة تحتضن المواهب، وترعى الأمل، وتُسهم في بعث الحياة من جديد في شرايين الرياضة المدرسية. وإن كانت المنافسة قد انتهت، فإن الرسالة لا تزال مستمرة.
سنينة.م