سعيد عمارة … بطل جبهة التحرير ورمز الكرة السعيدية
يبقى لاعب فريق جبهة التحرير الوطني سعيد عمارة واحدا ممن شاركوا في صنع تاريخ الكفاح الجزائري للاستعمار الفرنسي ووضعوا بصماتهم فيه بشتى أنواعه، فالرجل الذي بلغ من العمر عتيا كان أحد الذين ضحوا بكل الامتيازات والحياة الكريمة التي كانت توفرها له النوادي الفرنسية من أجل أن يلتحق بفريق الأفلان للدفاع عن القضية الجزائرية دون أن يخاف لومة لائم، هو الذي كان يعيل أفراد عائلته بسعيدة من خلال ما كان يجنيه بفرنسا. عمي السعيد الذي بلغ في مارس الماضي ستة وثمانين سنة، أفنى حياته في خدمة الكرة الجزائرية ويكفيه أنه قضى 64 سنة منها مع الساحرة المستديرة، بدأ المعني يداعب الكرة في سن السادسة تقريبا في الشوارع ومن خلال مباريات ما بين الأحياء، ثم تطورت المنافسة لتمتد ما بين المدارس ثم ما بين الولايات والمناطق ليلاحظه المكلفون بالانتداب لفريق “قيتي كلوب سعيدة” الذي انضم إليه وكان بعدها في كل مرة يتم استدعاؤه للنخب الجهوية ليتألق أكثر في سن 17، وهو ما كان وراء التحاقه بسبورتينغ نادي بلعباس الذي لعب لأكابره وهو لا يزال في صنف الأواسط، حيث وصل مع هذا الفريق لنهائي كأس الجزائر سنة 1955 ضد فريق اتحاد بلعباس غير أن قيادة جبهة التحرير الوطني أمرت بإلغاء المواجهة، ليتلقى بعدها عدة دعوات من أندية فرنسية منها أولمبي مرسيليا وموناكو ورانس، وذهب لفرنسا لإجراء التجارب فأعجب به مسؤولو راسينغ كلوب ستراسبورغ بعد أن شارك معهم في لقاء ودي ضد المنتخب العسكري الفرنسي وهناك تعرف على زملائه بن تيفور ومخلوفي وزيتوني ومحجوب، غير أنه تأثر كثيرا بدرجة البرودة الكبيرة التي تشهدها منطقة سترسبورغ ولم يستطع التألق كثيرا ليضطر لتغيير الأجواء في سنة 1958 إلى نادي بيزيي الصاعد الجديد للبطولة القسم الأول وأمام اعتدال المناخ تألق بشكل لافت وارتفعت أسهمه خاصة وأنه كان مشهورا بالقذفات من بعيد حيث كانت تسكن كراته الشباك مباشرة فضلا عن مهاراته الفنية والتقنية وقد كان يلقب بممزق الشباك ، و بتاريخ 12 أفريل 1958 لعب ناديه بيزيي ضد نادي سانتيتيان الفرنسي بميدانه وفاز عليه، وهي المواجهة التي غاب عنها من جانب سانتيتيان مواطنه رشيد مخلوفي بحجة الإصابة، غير أنه علم بعدها أن عدة لاعبين جزائريين في البطولة الفرنسية فروا عن نواديهم والتحقوا بفريق جبهة التحرير، وهي الحادثة التي أذهلت الفرنسيين كثيرا وجعلتهم يتعجبون من ترك هؤلاء لجميع الامتيازات المالية والمادية مقابل فريق الأفالان ليقتنع السواد الأعظم من الغربيين أن هناك قضية عادلة وتستحق الإنصاف اسمها الثورة الجزائرية وعرفوا أن هؤلاء اللاعبين يريدون إعطاء قضيتهم صدى عالميا وبعدا آخر، وبقي سعيد عمارة متابعا من رجال المخابرات الفرنسية الذين ظلوا يراقبونه خوفا من فراره هو الآخر ليتمكن من الالتحاق بفريق الفالان أواخر 1959، وبعد الإستقلال عمل سعيد عمارة على نقل تجربة فريق جبهة التحرير الوطني التي ساهمت كثيرا في خدمة الكرة الجزائرية، حيث تخرج عدة مدربين ولاعبين على يد عناصر فريق الأفالان، وكان من بين الذين تخرجوا على يد عمارة المدرب الوطني رابح سعدان وميشال هيداغو كما كان وراء اكتشاف عدة لاعبين سطع نجمهم في الكرة الجزائرية على غرار لالماس وإيغيل وهدفي وفرقاني وحتى بلومي ومرزقان وبن ساولة وماجر، وكان عمارة أول جزائري يحصل على دبلوم تدريب من المعهد الوطني للرياضة بباريس، وقد ساهمت خبرة عمارة والآخرين كثيرا في تألق المنتخب الوطني ووصوله لنهائيات كأس العالم سنة 1982 بإسبانيا وما صنعه المنتخب يومها في ملحمة خيخون، ونشير إلى أن عمارة انضم بعد سنتين من الاستقلال لفريق مسقط رأسه مولودية سعيدة وتوج معه بكأس الجمهورية كما درب بعدها المنتخب الوطني الجزائري لعدة سنوات، ليستمر في خدمة الكرة الجزائرية إلى غاية السنوات الأخيرة التي قرر فيها التقاعد من الرابطة الجهوية لسعيدة التي كان يترأسها و خدمها لسنوات عديدة. لتغادرنا هذه الشخصية العملاقة في تاريخ كرة القدم الجزائرية الصيف المنصرم إلى دار الخلد بكت عنها الجزائر برمتها.
بن حدة