سليماني… من عين البنيان إلى العالمية
لم يكن أشد المتفائلين يتوقع أن يكون التربع على عرش الهدافين التاريخيين للمنتخب الجزائري من نصيب المهاجم إسلام سليماني، نظراً لبدايته الصعبة في عالم كرة القدم، وكذلك طريقة لعبه التي لم تتسم بتلك الجمالية التي كانت تبحث عنها الجماهير.
لكن سليماني ضرب كل تلك الآراء عرض الحائط واستطاع بجديته وإصراره وعزيمته الوصول إلى مبتغاه، وتسجيل أهداف تلو الأخرى وفي مختلف المنافسات الكروية، ليصبح مثالاً يُحتذى به للشباب الجزائري الراغب في النجاح والوصول إلى تحقيق الطموحات والأحلام، حتى في مجالات الحياة الأخرى بعيداً عن الساحرة المستديرة. قبل 13 عاماً، وبالضبط عام 2008، كانت بداية سليماني مع عالم كرة القدم، وذلك مع فريق مسقط رأسه عين البنيان بالعاصمة، المنتمي إلى الدرجة التاسعة الجزائرية، قبل أن ينتقل إلى نادي شبيبة الشراقة في الدرجة الثالثة، ثم عام 2009 إلى شباب بلوزداد في الدرجة الممتازة، ليخطف بذلك أنظار المدير الفني الأسبق وحيد حاليلوزيتش.
حاليلوزيتش تحدى الجميع و منحه فرصة العمر
المدير الفني الحالي للمنتخب المغربي البوسني وحيد حاليلوزيتش، الذي كان خلال مسيرته الكروية مهاجماً فذاً خاصة مع نانت الفرنسي، أكد خلال إشرافه على “الخضر” (2011-2014) أنّ خبرته كمهاجم سابق لن تجعله يُخطئ في اختيار المهاجمين، وهو ما تجسد على أرض الواقع من خلال وضعه ثقته في إسلام سليماني، حيث كان ذلك لأول مرة في مباراة ودية يوم 26 ماي 2012 أمام النيجر، ويكون من الصدف أنه نفس المنتخب الذي تربع عبر شباكه صاحب الـ(33 عاماً) على عرش ترتيب الهدافين التاريخيين للمنتخب الجزائري، عندما حصل ذلك الجمعة، في الجولة الثالثة من التصفيات الإفريقية المؤهلة إلى بطولة كأس العالم في قطر عام 2022. أسبوعاً بعد ظهوره الأول لاعباً دولياً في مباراة النيجر، تمكن سليماني من تسجيل أول أهدافه مع منتخب الجزائر، وتحديداً في 02 جوان أمام رواندا (4-0) ضمن تصفيات كأس العالم 2014، وبعد 4 أيام، لعب أساسياً لأول مرة أمام مالي في واغادوغو ليسجل هدفاً ضمن نفس التصفيات، أما أول ثنائية له مع “الخضر” فكانت أمام غامبيا في الـ15 من الشهر نفسه، لكن هذه المرة كانت في مباراة تندرج ضمن تصفيات كأس إفريقيا 2013.
مونديال البرازيل كان نقطة التحول في مشوار إسلام
وأصبح سليماني منذ ذلك الوقت جزءاً لا يتجزأ من خيارات البوسني حاليلوزيتش، وساهم كذلك في تأهل المنتخب الجزائري لبطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل، وهناك نجح المهاجم الحالي لليون الفرنسي بتسجيل هدفين، الأول بمرمى كوريا الجنوبية والثاني أمام روسيا، والذي يعد الهدف الأغلى من دون شك في مشوراه، كونه سمح لـ”المحاربين” بالتأهل للدور الثاني من المونديال، ولأول مرة في تاريخهم. وتألق سليماني مع المنتخب الجزائري، وخاصة في المونديال البرازيلي، ما سمح له بالظفر بأول عقد احترافي له بأوروبا، حيث انتقل من شباب بلوزداد إلى سبورتينغ لشبونة البرتغالي، الذي سجل معه العديد من الأهداف على المستويين المحلي والأوروبي، ثم انتقل عام 2016 إلى ليستر سيتي الإنجليزي مقابل 35 مليون يورو وفي تجربة لم تكن كما يتمناها، حيث تخللتها الكثير من الإعارات، إلى نيوكاسل ثم فنربخشة التركي مروراً بموناكو الفرنسي وأخيراً ليون، الذي اشترى عقده منتصف العام الماضي.
تشاكر حديقته المفضلة بعد أن سجل 19 هدفاً في مرماه
ومن رصيد 37 هدفاً التي سجلها سليماني بقميص المنتخب الجزائري، كان النصيب الأكبر منها في معقل “المحاربين” “مصطفى تشاكر” والمقدر بـ19 هدفاً، كما أنه سجل مع أغلب المدربين المتعاقبين على الجهاز الفني للمنتخب، بداية من حاليلوزيتش ثم الفرنسي كريستيان غوركوف، وصولاً إلى البلجيكي جورج ليكنس والجزائري رابح ماجر وحالياً مع مواطنه جمال بلماضي، وهو ما يتشكل في مجموع لـ76 مباراة منها 53 في إطار رسمي. وسجل سليماني أهدافه الـ37 على 21 منتخباً، كان الرصيد الأكبر منها في مرمى منتخب تنزانيا بـ5 أهداف، و4 أهداف أمام جيبوتي، وفي مباراة واحدة لعبت الشهر الماضي، وهو نفس الرصيد له في شباك منتخب بنين، و3 أهداف ضد إثيوبيا، وهدفين ضد كل من غامبيا والسنغال وزامبيا والنيجر، وهدف في شباك كل من منتخبات غينيا وروانداً ومالي وليبيا وبوركينا فاسو وأرمينيا وكوريا الجنوبية وروسيا، وكذلك مالاوي وجنوب إفريقيا وجزر السيشل، إضافة إلى أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية.
بلماضي يدعمه بقوة
وجه جمال بلماضي مدرب المنتخب الجزائري، رسالة مؤثرة لإسلام سليماني مهاجم وهداف “محاربي الصحراء”، وبات سليماني الهداف التاريخي لمنتخب الجزائر برصيد 37 هدفا، وتخطى الأسطورة عبدالحفيظ تاسفاوت، بعد أن سجل ثنائية في الفوز 6-1 على النيجر بالتصفيات الإفريقية المؤهلة لكأس العالم 2022. وقال بلماضي إن سليماني قيمة ثابتة في تشكيلة منتخب بلاده، معترفا بأنه لا يحصل على التقدير الذي يستحقه ويتناسب مع إمكانياته وقدراته. وأضاف: “آمل ألا يندم الجميع بعد اعتزاله، والوقوف على حجم الفراغ الكبير الذي سيتركه في خط هجوم منتخب الجزائر”. وأردف بقوله: “هو شخص لا يفهمه الجزائريون، حتى أنا شخصيا لم أكن أفهمه. إنه يُقدم كل شيء فوق الملعب، حيث يدافع ويهاجم ويملأ الفراغات، وهو الأمر الذي فهمه جمهور الكرة في أوروبا جيدا”. واستشهد بقوله: “الدليل على كلامي أنه ورغم تقدمه في العمر، إلا أنه ينشط دوما في أعلى مستوى (مع ليون الفرنسي)، بل ويقدم مردودا إيجابيا”.
خليفاوي مصطفى