من المواي تاي إلى الكيك بوكسينغ … “محاربو الصحراء”.. نموذج احترافي لتكوين النخبة
في قلب المشهد الرياضي الجزائري، حيث تتنافس المواهب وتُصنع الأمجاد، يبرز اسم “Desert Warriors” (محاربو الصحراء) بقوة، ليس كنادٍ رياضي فحسب، بل كمنظومة احترافية متكاملة وُلِدت من رؤية واضحة مفادها أن الجزائر تزخر بمواهب فذة تحتاج فقط إلى البيئة الحاضنة التي تسمح لها بالانفجار.
“بولا” حطت رحالها في هذا الصرح الرياضي الواعد الذي تحول في فترة وجيزة إلى مصنع حقيقي للأبطال وخزان استراتيجي للمنتخبات الوطنية، وذلك لكشف أسرار هذا المشروع الذي يرسم ملامح مستقبل الفنون القتالية في البلاد.
لم تكن فكرة تأسيس النادي وليدة صدفة أو قراراً عابراً، بل انطلقت من إيمان راسخ بضرورة سد فجوة لطالما عانت منها الرياضات القتالية، وهي غياب المرافقة الشاملة، وفي هذا السياق، يؤكد المناجير العام للنادي، بن عيسى سيدعلي، في حديثه الخاص لـ “بولا”، أن الهدف منذ اللحظة الأولى كان “بناء شخصيات متكاملة، قادرة على مواجهة التحديات داخل الحلبة وخارجها، مع رؤية استراتيجية بعيدة المدى تجعل كل لاعب مشروع بطل يحتذى به”، وهذه الفلسفة تتجاوز مجرد تحقيق الانتصارات لتصل إلى صناعة إرث رياضي وأخلاقي مستدام.
يتركز نشاط النادي بشكل أساسي على اختصاصي المواي تاي والكيك بوكسينغ، وهما رياضتان تتطلبان مزيجاً معقداً من الدقة التقنية والقوة البدنية الهائلة والرؤية التكتيكية المتقدمة، لكن ما يميز أسلوب “محاربو الصحراء” ويجعله نموذجاً فريداً هو اعتماده على منظومة علمية متكاملة، فهو يجمع بين التدريب الفني المكثف الذي يصقل المهارات القتالية والتحضير البدني المتطور الذي يرفع من قدرات اللاعبين الجسدية، مع توفير دعم نفسي وتغذوي مخصص لكل رياضي على حدة، حيث يشرف على هذه المنظومة طاقم متكامل يضم مدربين مؤهلين أكاديمياً بشهادات عليا وذوي خبرة ميدانية واسعة، إلى جانب محضرين بدنيين متخصصين وأخصائيي تغذية يضعون برامج دقيقة وأخصائيين نفسانيين يعملون على تقوية الجانب الذهني للأبطال، بالإضافة إلى فريق إداري واتصالي محترف، مما يخلق بيئة مثالية ومحفزة لتطوير اللاعب على المدى الطويل.
ورغم أن طريق النجاح لا يخلو من تحديات، خاصة ما يتعلق ببعض التدابير التنظيمية والإدارية المعقدة التي تعترض المشاركات في البطولات الدولية المفتوحة، إلا أن إدارة النادي، بحسب السيد بن عيسى، تعتبر هذه العقبات “فرصة للتعلم والتطور”، مؤكدة تركيزها الدائم على إيجاد الحلول المبتكرة لضمان استمرارية المشروع وتمثيل الجزائر بأفضل صورة ممكنة. هذا الإصرار على تحويل التحديات إلى فرص أثمر حصاداً مشرفاً من الإنجازات، حيث يُعد النادي من أوائل المؤسسات الرياضية في الجزائر التي حصدت ميداليات في كل البطولات الرسمية للاتحاد الدولي للمواي تاي (IFMA) ومعظم ميداليات الاتحاد الدولي للكيك بوكسينغ (WAKO)، وهو ما يبرهن على أن الرؤية الواضحة والعمل المنظم يمكن أن يتفوقا على أي صعوبات لوجستية أو إدارية.
التكوين الشامل.. صناعة بطل داخل الحلبة وخارجها
وتنبع فلسفة النادي من إيمان راسخ بضرورة التكوين الشامل للرياضي وعدم الاقتصار على الجانب البدني والتقني وحده، فالرياضة في رؤية “محاربو الصحراء” هي مدرسة حقيقية في الحياة، وفي هذا السياق، يوضح السيد بن عيسى أن التدريب لديهم “ليس مجرد تعلم تقنيات أو استعداد لمنافسة ما، بل مسار شامل لبناء شخصية متوازنة”. هذا المفهوم العميق للرياضة ينعكس بشكل إيجابي وملموس على حياة اللاعبين، حيث يكتسب الرياضي من خلال التدريبات الصارمة والبرامج المرافقة قيماً أساسية كالانضباط والقوة الذهنية واللياقة البدنية العالية والثقة بالنفس، ليتطور ليس فقط كرياضي من الطراز الرفيع، بل كإنسان ناضج ومسؤول قادر على مواجهة تحديات الحياة خارج الحلبة أيضاً، وهذه الرعاية الشاملة تضمن أن يخرج النادي أبطالاً يتمتعون بشخصية قوية ويكونون نموذجاً مشرفاً وقدوة حسنة للشباب الجزائري.
خزان للمنتخبات الوطنية.. وطموح لا تحده سماء
فيما يخص آفاق المستقبل، كشف المناجير العام عن رؤية طموحة وواضحة المعالم تهدف إلى أن يصبح النادي “مرجعاً وطنياً ودولياً” في تخصصه، وهذه الرؤية الاستراتيجية ترتكز على ثلاثة محاور رئيسية: أولاً، تطوير الفئات الصغرى والشابة على المستوى المحلي وتعزيز الشراكات مع الأندية الهاوية لاكتشاف المواهب في مهدها، وثانياً، دعم مشاركة اللاعبين في البطولات الوطنية والدولية وصناعة منتخب مصغّر للنخبة داخل النادي يكون جاهزاً في أي وقت، وثالثاً، فتح المجال للاعبين ذوي المؤهلات العالية للمنافسة على المستوى الدولي والمشاركة في ملتقيات عالمية لتبادل الخبرات.
ولم يعد هذا مجرد طموح على ورق، بل حقيقة تتجسد في قائمة طويلة من الأبطال الذين يمثلون اليوم نواة المنتخبات الوطنية في مختلف الفئات، وعلى رأسهم أسماء لامعة مثل أيقونة المواي تاي الجزائري باسطة عبد المنعم وأسطورة الكيك بوكسينغ حطاب حمزة، بالإضافة إلى بطلة العالم المتألقة بلقيس مشراوي وأبطال أفريقيا والعرب الذين شرفوا الراية الوطنية مراراً وتكراراً، على غرار ميسيبسا آيت وعلي وعجابي نذير وعيوش إسلام وآخرين. وفي هذا الشأن، يؤكد بن عيسى بفخر: “نحن ملتزمون بتجهيز اللاعبين للمستوى العالي وتقديم رياضيين من أعلى طراز للمنتخب الوطني من خلال مرافقة دائمة وشاملة”.
ولم تتوقف نجاحات النادي عند فئة الرجال، بل أولى اهتماماً خاصاً واستراتيجياً بالفئة النسوية التي تمكنت بفضل هذا الدعم من تحقيق قفزة نوعية خلال السنتين الأخيرتين وحصد عدة ألقاب وطنية ودولية، مما يؤكد نجاح رؤية النادي في تطوير الرياضة للجميع دون تمييز، ويختتم السيد بن عيسى حديثه لـ “بولا” برسالة تختزل فلسفة النادي بأكملها: “هدفنا ليس مجرد بلوغ القمة، وإنما الحفاظ على وتيرة التطور ونحن في القمة، والتزامنا مستمر بصناعة أبطال يمتلكون المهارة والانضباط، لكتابة اسم الجزائر بأحرف من ذهب في أقوى المنافسات العالمية”.
حليمة.خ




