قصة كفاح ونجاح بلعمري …أن تصل متأخراً خيرٌ من ألا تصل أبداً
لم يكن أشد المتفائلين والمتابعين لمشوار النجم الجزائري جمال بلعمري يتوقع له انتقالاً كبيراً في نافذة “الميركاتو” الأخيرة، صوب نادي ليون الفرنسي الذي وصل إلى نصف نهائي بطولة دوري أبطال أوروبا في نسختها الماضية. وانتظر هذا المدافع الصلب بلوغه سن الـ (31 عاماً) ليحظى بتجربته الأولى في القارة العجوز، وهذا التأخير لم يكن إلا بسبب العراقيل التي واجهت مشواره الكروي، خاصة في الدوري والمنتخب الجزائري، جعلته يصل إلى درجة أن يعلن صراحة في تصريح تلفزيوني أنه “نزع فكرة الانضمام إلى منتخب محاربي الصحراء من رأسه بسبب ما كان يعيشه”.
من مستقبل الكرة الجزائرية إلى القائمة السوداء
يعتبر جمال بلعمري أحد خريجي مدرسة نصر حسين داي التي قدمت للمنتخب الجزائري أسماءً عالمية على غرار رابح ماجر وشعبان مرزقان وغيرهما، ورغم ذلك لم يحظ هذا اللاعب بثقة المدربين والمسؤولين الذين تعاقبوا على هرم الكرة الجزائرية، رغم أنه قدم مستويات كبيرة في بطولة أمم أفريقيا للشباب 2012 بالمغرب، حيث تم اختياره ضمن أفضل مدافعي بطولة بأدائه الباهر، لكن ذلك لم يشفع له للالتحاق بالمنتخب الأول، الذي كان يعيش في تلك الفترة تراجعاً في الأداء مع تراجع مستوى الثلاثي عنتر يحيى ومجيد بوقرة ورفيق حليش. ورغم المستويات الكبيرة التي يُقدمها في الدوري الجزائري وصغر سنه الذي يسمح له بقيادة دفاع “المحاربين” لسنوات، إلا أن التهميش كان متواصلاً حيال بلعمري بسبب بعض القرارات التي كبحت مسيرته الدولية، وصلت إلى حد وضعه في القائمة التي سميت “بالسوداء”، أي الممنوعين من اللعب مع المنتخب مُجدداً. وسبب ذلك جاء بعد استدعائه لأول مرة إلى المنتخب الأول عام 2012، وبعد تسلم المدير الفني الأسبق البوسني وحيد حليلوزيتش زمام الأمور، لكن الأخير قام بطرد جمال من أحد المعسكرات بحجة عدم انضباطه برفقة الحارس فوزي شاوشي، وهو ما نفاه بلعمري في أحد التصريحات القوية قال فيه:” أنا في قمة الغضب مما قاله حاليلوزيتش، إذا لم يكن يريد استدعائي فهذا شأنه، لكن لن أقبل أن أمسّ في أخلاقي”.
حتى غوركوف حرمه من المنتخب
رحل حليلوزيتش بعد مونديال البرازيل 2014، حيث بلعمري لم يلعب للمنتخب الجزائري ولو لدقيقة واحدة، وموازاة مع المستويات الكبيرة التي كان يقدمها مع فريقه الأسبق شبيبة القبائل، تسلم الفرنسي كريستيان غوركوف تدريب المنتخب، وسط تأكيد على أن مدرب نانت الحالي سيفتح صفحة جديدة مع اللاعبين “المغضوب عليهم”، لكن ذلك لم يحدث مع بلعمري الذي بقي بعيداً عن التمثيل الدولي.هذا الوضع لم يرق للرئيس التاريخي والسابق لنادي شبيبة القبائل محمد الشريف حناشي، المعروف بتصريحاته القوية، من بينها ما قاله عام 2014:”إذا لم يستدع غوركوف جمال بلعمري، فهو لا يفقه في كرة القدم”. أما جماهير النادي فبدورها عبرت عن تذمرها من إبعاد بلعمري من المنتخب الجزائري، بلافتة تم وضعها في إحدى المباريات كتب عليها “حتى جمال بلعمري لديه الجنسية الجزائرية”. ومع كل تلك الضغوطات قرر غوركوف أخيراً دعوة اللاعب لمعسكر أقيم بالدوحة تخللته مواجهتان وديتان ضد قطر وعمان ودياً عام 2015، لكنه لم يشارك حيث لازم مقاعد البدلاء، وكان حضوره شرفياً مثلما كان الحال عليه في السابق.
بلعمري سنة 2016:” لقد ظلموني ونزعت فكرة المنتخب من رأسي”
لم تقتصر العقبات على جمال بلعمري بالوقوف أمام وصوله إلى تمثيل المنتخب رغم إمكاناته الكبيرة، بل كان يعيش كذلك مشاكل حتمت عليه مغادرة الدوري الجزائري صوب نادي الشباب السعودي، وهذا بسبب مشاكل مع مدربه في الفريق عبد القادر عمراني، الذي خيّر رئيس وفاق سطيف بينه وبين اللاعب، الذي حسب نظرة هذا المدرب لم يكن يصلح لممارسة كرة القدم. وبعد استقراره في السعودية عام 2016، عاد الحديث عن إمكانية عودة ابن مدنية الحراش للمنتخب الجزائري، خاصة مع تألقه في نادي الشباب، لكن رد اللاعب كان صادماً عندما تمت استضافته في قناة جزائرية ليشتكي التهميش والظلم الذي عاشه في البلاد، قائلاً “ظلموني في الجزائر، نزعت فكرة اللعب للمنتخب الجزائري من رأسي وعليّ نسيانها”.
2018…عودة للمنتخب من أوسع الأبواب
ورغم تعاقب المدربين في المنتخب الجزائري من حاليلوزيتش وغوركوف وراييفاتس، وصولا إلى ليكنس وألكاراز ثم ماجر، إلا أن السواد لم ينقشع عن مشوار جمال بلعمري مع المنتخب الجزائري، إلا باستلام المدير الفني جمال بلماضي زمام الأمور، والذي يظل صاحب الشخصية القوية الرافضة لكل الإملاءات، التي جعلته يتيح الفرصة لأي اسم يراه قادراً على تقديم الإضافة مهما كان اسمه، مولده أو الدوري الذي يلعب فيه. وبالفعل نال بلعمري ما يستحق أخيراً، حيث حصل على دعوة بلماضي في رابع مباراة للمدرب مع منتخب “المحاربين”، وهذا عندما رحل شهر نوفمبر 2018 إلى لومي لمواجهة توغو، التي عرفت انتصاراً كبيراً للمنتخب الجزائري (4/1) وميلاد “صخرة” في دفاع المنتخب رغم أنه كان في سن (29 عاماً).
أصبح قدوة لكل الشباب المهمّش
وبعد نيله الفرصة التي كان يستحقها قبل سنوات، أصبح جمال بلعمري ركيزة أساسية في دفاع المنتخب الجزائري، ومساهماً بشكل كبير في فوز “الخضر” بلقب أمم أفريقيا 2019 بمصر، وهناك قدم هذا المدافع أداءً بطولياً جعلت الجماهير تتحسر على التهميش والظلم الذي عاشه اللاعب ومثالاً يحتذى به في الكفاح والعمل، وهذا ما رفع كذلك أسهمه وجعله يصل للعب لنادٍ مثل ليون. ولم ينه بلعمري تلك البطولة القارية إلا برسالة تاريخية بعد المباراة النهائية ضد السنغال، تحدث فيها بحسرة عمّا عاشه في السابق وكيف أرادوا تلطيخ صورته وحياته الشخصية، معبراً عن أمنيته في أن يكون ما عاشه برفقة يوسف بلايلي، الذي كانت له وضيعة مشابهة، درساً لمسؤولي الكرة الجزائرية من أجل منع تلك الممارسات التي تحطم المواهب في عز عطائهم.
خليفاوي مصطفى