تحقيقات وروبورتاجات

كرة القدم ..حين تغيب التربية وتنهار القيم

هل نستطيع أن نتصور عالمنا اليوم دون كرة قدم؟ مجرد السؤال يجعلنا نشعر بنوع من السذاجة ، ففي الشوارع والأحياء والملاعب وفي البيوت والمقاهي والمكاتب و حتى المدارس و الجامعات  لا يوجد حديث يعلو على كرة القدم. لاعبون يُذكر إسمهم أكثر مما يذكر شخصيات. و “الكلاسيكو” يُفرغ الشوارع أكثر بكثير من ساعة الإفطار في رمضان. كرة القدم لم تعد مجرد تسلية. لقد باتت تشكل أسلوب حياة للكثيرين منا، تحتل صدارة أولوياتنا لدرجة أننا في كثير من الأحيان نغير برامجنا لتناسب مواعيدها.  في هذا العالم الذي صرنا نعيش فيه، كرة القدم لم تعد مجرد رياضة ـ إن كانت أصلا وجدت لهذا الغرض ـ لقد أصبحت منظومة اقتصادية عالمية وظاهرة اجتماعية لم يسبق لها مثيل. إنها ليست مجرد كرة إنها “ساحرة” فالساحرة المستديرة، كما يحلو للبعض تسميتها، تعد اليوم واحدة من أهم معالم النظام العالمي الجديد.

الجانب الآخر للساحرة المستديرة

لكن على أطراف هذا المشهد الأخضر توجد فوضى، لقد أخذت اللعبة مسارا مختلفا، وبات من المستحيل تفادي أضرارها الجانبية. فخاصية المنافسة التي تطبعها صار لها إطار ومنهجية وبعد عالمي، وتحولت اللعبة إلى مؤسسة إعلامية وتجارية دولية. المنافسة أساسا لا تخلو من مشاعر الأنا وحب الذات، فإذا صاحبتها آلة إعلامية هائلة وصرنا نجني من ورائها أموالا طائلة. فإذا كانت كرة القدم ظاهرة استثنائية تدل على الحضارة العالمية التي برزت في هذا العصر، فهي أيضا أفضل مرآة تعكس مدى التعصب المتجذر فينا بكل أشكاله.المشكلة إذن ليست مشكلة كرة قدم، فالتعصب على أشكاله آفة كل العصور والأزمنة.

تغليب القيم و السلوكيات الحضارية لتفادي المآسي

نحن ندرك أن المنافسة غريزة يصعب إزالتها من طباع الأفراد والشعوب، ولكننا نتطلع إلى زمان تكون فيه المنافسة بين الدول مشهودة بشكل رئيسي على السّاحة الرياضية، في حين يسود التّفاعلات الجارية على الصعيد العالمي التّعاون وتبادل المنفعة والدّعم المتبادل. فأن تصبح كرة القدم مجالا للتنافس الرياضي المحض وأن تعكس مظاهر العمل الجماعي والتعامل النزيه والشهامة والسعي الجاد، هو رهين بمدى قدرتنا على محو التعصب ونشر العمليات التعليمية التي تهدف إلى إزالة الجهل وإطلاق القدرات الخلاقة. قد بدأنا هذا الموضوع بالحديث عن كرة القدم فإذا بنا نتطرق مرة أخرى للتربية والعمليات التعليمية وكأنها أم الحلول لكل مشاكل الإنسانية.التربية هي بالفعل كذلك، ولكن المقصود هنا ليس فقط تربية جسمانية تعنى بشؤون الجسد ومستلزمات النمو أو حتى تربية إنسانية تهدف إلى تحصيل العلوم والفنون وتطوير الفكر والمعرفة، المقصود هنا هو التربية الروحانية التي تسعى إلى تدريس الأخلاق والقيم للأطفال ومرافقة الشباب الناشئ في سن المراهقة الحساس جدا ببرامج تعنى بإطلاق القوى الكامنة فيهم وحث الشباب على الشعور بالمسؤولية تجاه حيهم ومجتمعهم والعالم من حولهم. إنها التربية التي تبني أسس الحضارة الإنسانية وتؤسس للسلام و الوحدة في الاختلاف والتعاون بين الأفراد والشعوب في كل مناحي الحياة.

 

التربية السليمة تبقى الحل الوحيد لكبح التعصب

بالعودة إلى كرة القدم وما يصاحبها حاليا من شغب في الملاعب وخارجها وما يقوم به أحيانا بعض اللاعبين من سلوك شنيع يحض على العنف والكراهية، ربما نتساءل عن الحلول الآنية لأن الحل التربوي بالنسبة لنا نتائجه ستكون على المدى البعيد. أظن أنه ليست هناك حلول مختصرة. الحل هو التربية ،ويمكن استعجال نتائجها بتضافر الجهود وصفاء النية. كلنا مسؤولون عما يحدث، فهؤلاء أبناؤنا جميعا.

سنينة. م

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى