كرة اليد ..مستقبل شباب الحروش… حكاية جيل ذهبي صنع التاريخ بخمسة ألقاب وكأس الجزائر

من قلب الحروش، المدينة التي تُسابق الزمن نحو المستقبل، بزغ نجم فريق مستقبل شباب الحروش لأقل من 15 سنة، ليُسجل موسماً استثنائياً سيبقى خالداً في سجلات كرة اليد الجزائرية، 34 مباراة متتالية دون هزيمة. هي حصاد عمل دؤوب وشغف لا يتوقف، تُوج بخمسة ألقاب كبرى، البطولة الولائية، كأس الولاية، البطولة الجهوية، كأس الجزائر الغالية في كرة اليد، وأخيراً البطولة الوطنية. هذا المسار المظفّر، الذي يترجم حرفياً اسم النادي “المستقبل”، دفع بـ”بولا” للغوص في كواليس هذا الإنجاز التاريخي، والتحدث مع صانعي هذا الحلم، رئيس النادي هشام بن عيسى ومدربه أحمد بعبوش، ليكشفا أسرار صناعة الأبطال.
رؤية وصبر.. هكذا بُني مستقبل الحروش
يُعلق الرئيس هشام بن عيسى بفخر واعتزاز على هذا الإنجاز، مؤكداً أنه يتجاوز مجرد الأرقام والنتائج، فبالنسبة لإدارة النادي، هذا التتويج هو “ثمرة سنوات من التعب والعمل الجاد منذ أول يوم تأسس فيه النادي قبل أربع سنوات”. وما زاد الفرحة عُمقاً، حسب بن عيسى، هو “تفاعل المدينة ككل مع هذا التتويج”.
وهو إحساس زاد الجميع “فخراً واعتزازاً بالنادي”، هذه الإنجازات، تؤكد أن اسم “مستقبل شباب الحروش” لم يأتِ من فراغ، بل هو ترجمة حقيقية لطموح أبناء المدينة في صناعة تاريخ في كرة اليد يُشرف الجميع. منذ البداية، كانت الإدارة لديها خطة واضحة تركز على “التكوين الجاد”. فقد تم اختيار الطاقم المناسب وخلق “جو عائلي” دافئ داخل النادي. فالاهتمام باللاعبين لم يقتصر على الجانب الرياضي فحسب، بل امتد ليشمل رعايتهم “كأبناء وتلاميذ، مع الاهتمام بجوانبهم النفسية والمعنوية كذلك”. وفي كل مراحل التكوين، ركز النادي على زرع الثقة بالنفس، الانضباط، روح الجماعة، والإرادة القوية، مع توفير كل الإمكانيات المتاحة رغم التحديات الكبيرة التي واجهتهم.
34 مباراة بلا هزيمة
يشرح المدرب أحمد بعبوش أن تحقيق 34 مباراة دون هزيمة “لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة مشروع متكامل بُني على رؤية واضحة وصبر طويل”. حيث يؤكد بعبوش أن التركيز الأساسي كان على “تكوين فريق قوي ذهنياً قبل أن يكون قوياً بدنياً”، وتتلخص العوامل الرئيسية في “ثقافة الفوز والانضباط” التي تربى عليها اللاعبون، حيث أدركوا أن “القميص مسؤولية، وأن كل دقيقة داخل الملعب هي فرصة لإثبات الذات”. هذا بالإضافة إلى “التحضير الذكي لكل مباراة” بدراسة الخصوم بعناية، و”الاستقرار الفني والروح العائلية” التي جعلت اللاعبين يشعرون بأنهم جزء من عائلة واحدة تدافع عن بعضها البعض، كما كان “التكوين المستمر” وعدم الركون للنتائج، والدعم اللامحدود من الإدارة والأنصار وتفهم الأولياء. عوامل حاسمة في هذا المسار الذهبي، وهو أمر بالغ الأهمية في فئة عمرية حساسة مثل تحت 15 سنة في رياضة كرة اليد.
من ضغط الألقاب إلى قمة المجد
المنافسة على خمسة ألقاب في موسم واحد، بما فيها ألقاب وطنية كالظفر بـكأس الجزائر في كرة اليد، تتطلب “نضجاً تكتيكياً وتوازناً ذهنياً كبيراً”، خاصة في هذه الفئة العمرية، حيث وأوضح المدرب أحمد بعبوش كيف تم بناء “عقلية البطل منذ بداية الموسم”؛ فكل مباراة كانت تُعامل كـ”خطوة نحو هدف أكبر”، مع التركيز على الأداء بدلاً من ضغط الألقاب. وكان السر في “تدوير اللاعبين والتوزيع العادل للجهد”، انطلاقاً من مبدأ أن “الفريق لا يُختزل في 7 لاعبين” (في إشارة إلى أهمية جميع عناصر الفريق في كرة اليد)، مما ساعد على الحفاظ على الطراوة البدنية وتجنب الإصابا.
كما قدم الجهاز الفني “دعماً نفسياً” كبيراً للاعبين عبر ورشات مصغرة لتعزيز الثقة وتجاوز الخوف من النهائيات والجمهور، وخلق بيئة تنافسية إيجابية داخل الفريق كانت أيضاً جزءاً لا يتجزأ من استراتيجية صناعة الأبطال. هذا التتويج بـكأس الجزائر لم يكن مجرد لقب يضاف إلى الخزانة، بل كان تتويجاً لمشروع متكامل وفخراً عظيماً لمدينة الحروش وشبابها، يؤكد أن العمل الجاد والتخطيط السليم يصنع المعجزات في كرة اليد.
جيل ذهبي ومستقبل بين الطموح والتحدي
وتتلخص فلسفة المدرب أحمد بعبوش في تطوير اللاعبين في ثلاثة محاور أساسية بداية “بالتكوين الشامل”، حيث يرى اللاعب كمشروع إنسان متكامل بدنياً، تقنياً، تكتيكياً، والأهم ذهنياً وسلوكيا، بهدف صناعة شخصيات قيادية، ثانياً، “المرافقة الفردية”. فلكل لاعب خصوصيته، ويعتمد نظام متابعة شخصية لمساعدته على التطور بوتيرته الخاصة، وثالثاً، “التحفيز والرؤية المستقبلية”. حيث يوضح المدرب للاعبين أن ما يحققونه اليوم هو فقط خطوة أولى، وأن ما ينتظرهم أعظم، لكنه يتطلب الاستمرارية، العمل، واحترام القيم الرياضية. من جانبه، يؤكد الرئيس هشام بن عيسى أن “الأصعب من تحقيق النجاح هو الحفاظ عليه”.
والخطة تتمثل في الاستمرار في التكوين القاعدي، الحفاظ على استقرار الطاقم الفني، وتعزيز التحضير البدني والذهني، مع متابعة فردية لكل لاعب. هذا الجيل، الذي صعد بقميص “مستقبل شباب الحروش” إلى أعلى المراتب في كرة اليد، هو بمثابة “ثروة حقيقية” للنادي ولكرة اليد الجزائرية، والهدف هو تصعيد أكبر عدد منهم إلى صنف الأشبال، ومنحهم فرصاً في التربصات الجهوية والوطنية، “مع إمكانية فتح آفاق أمامهم على مستوى المنتخبات الوطنية في المستقبل”، موضحا أنها رؤية طموحة لمستقبل مشرق لكرة اليد في الحروش، يُصاغ بيد أبنائها وبدعم من كل عشاقها، ليظل اسم “مستقبل شباب الحروش” عنواناً للإلهام والنجاح المتواصل.
مها.ك