تزامنا مع الذكرى 58 لعيدي الاستقلال والشباب، فتح لاعب منتخب جبهة التحرير الوطني كروم عبد الكريم قلبه لجريدة “بولا” حيث تحدث عن العديد من الأسرار خاصة عندما كان لاعبا. الحاج كروم أبدى تأثره الشديد من لاعب ريال مدريد سابقا بوشكاس كما اعتبر مواجهة الريال كأفضل ذكرى له. لاعب منتخب جبهة التحرير الوطني فتح النار على والي ولاية معسكر سابقا أولاد صالح زيتوني، طالبا السماح من كل ما أخطأ في حقه في يوم من الأيام.
في البداية الحاج كروم شكرا لك على الاستقبال؟
“مرحبا بكم في أي وقت والشكر الجزيل لجريدة “بولا” التي لطالما تذكرت الرياضيين الجزائريين وخاصة أولئك الذين تركوا بصمتهم في الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص”.
الحاج كيف هي أحوالك الصحية بعد الوعكة التي تعرضت لها مؤخرا؟
“الحمد لله حالتي تحسنت كثيرا بعد وعكة صحية ألزمتني الفراش طويلا إلى درجة أنني دخلت غرفة الإنعاش مباشرة بعد عودتي من فرنسا منذ حوالي ثلاث أشهر، قبل أن أتعافى تدريجيا والحمد لله أنا أفضل بكثير الآن، وأنا ألتزم الحجر الصحي في ظل الجائحة التي نمر بها.”
الحاج بالعودة لمسيرتك الكروية مع منتخب جبهة التحرير الوطني، كيف جاءت البداية وفكرة التأسيس؟
“فكرة تأسيس منتخب جبهة التحرير الوطن كانت في أواخر سنة 1957 بمبادرة تقدم بها بومزراق رحمه الله بإنشاء فريق لكرة القدم، يكون بمثابة الجناح الرياضي لمقارعة المنتخب الفرنسي الاستعماري، خاصة وأن حمى التمييز والقمع كانت على أشدها واستهدفت كل العرب والجزائريين تحديدا. فعمل بومزراق بتوصية تقضي بتمكين بن تيفور عبد العزيز من تولي مهام إحصاء اللاعبين في عموم القطر الوطني فضلا عن المقيمين في التراب الفرنسي ممن أبدعوا هناك على غرار رشيد مخلوفي. واستقر الأمر في البداية على رشيد كرمالي وزيتوني وعمار رواي وغيرهم في حدود 7 لاعبين. وكان جل هؤلاء من مواليد تقريبا 1930 و1931 في حين جاءت الدفعة الثانية ناقصة نوعا ما عدا معوش ما بسبب الظروف الأمنية وسياسة القمع البوليسي الفرنسي الذي أجهض الكثير من المحاولات لكون أن إنشاء مشروع منتخب جبهة التحرير الوطني هو نضالي ومناهض للاستعمار. وتجسد المنتخب تدريجيا بشكل تقريبي بقدوم الدفعة الثالثة التي ضمت كروم عبد الكريم وجبايلي ولكاك فضلا عن لاعبين آخرين توفي بعضهم لأسباب كثيرة.”
وماذا عن مسيرتك الكروية؟
“بدايتي الكروية كانت في سعيدة مع المولودية أين لعبت في كافة الفئات إلى غاية الأكابر، قبل أن أتنقل إلى فرنسا أين لعبت لفريق هاو اسمه ألبي في مطلع العام 1957 برفقة 4 لاعبين جزائريين من ضمنهم الأخوة لكاك، لأنتقل إلى فريق سات سنة 1958 في الدوري الثاني المحترف، قبل أن يستقر بي المقام ولفترة 3 أشهر فقط مع فريق تروا الذي كان ينشط في الدوري الأول المحترف، وهنا حدثت لي قصة طريفة وذلك تزامنا مع تلبية نداء الوطن والإخوة في تونس لبداية العهد مع منتخب جبهة التحرير الوطني.”
ما هي هذه الحادثة؟
“عند التوقيع في نادي تروا استلمت من مسؤوليه مبلغ 13 مليون فرنك فرنسي قديم قبل أن أهم بالهرب بمعية زوجتي الفرنسية ونجلي المسمى دحو الذي كان رضيعا ويبلغ من العمر 11 شهرا، حيث وضعت مبلغ 13 مليون فرنك داخل ثياب الرضيع دحو حتى لا يلفت انتباه الحرس أو الأمن لتفادي الاشتباه فيه، خاصة وأنني كنت فارا بطلب من قيادة الحزب التي وجهت أمرا بوجوب التنقل إلى تونس للإعلان عن تأسيس المنتخب بصفة رسمية والشروع في تفعيل هذا المشروع. وبعد مبارحتي للتراب الفرنسي تمكنت من اجتياز التراب السويسري قبل أن أجبر على مغادرة سويسرا التي أبلغت جميع المطاردين بتعذر إقامتهم كون سويسرا بلد محايد بموجب اتفاقية جنيف 1945 والتي تقضي بتفادي أي نشاط معادي ذو صبغة سياسية. بعدها انتقلت برفقة عائلتي الصغيرة إلى إيطاليا وهناك تمكنت من اتخاذ وسيط مختص في الهجرة غير الشرعية منفذا للسفر على متن باخرة من إحدى سواحل نابولي الإيطالية ومن ثم إلى تونس. السلطات الفرنسية تلقت إشعارا من طرف إدارة فريق تروا يتضمن اختفاء كروم وبحوزته مبلغ الإمضاء مع الفريق. وفور ذلك شرع البوليس الفرنسي في البحث عني في فرنسا والجزائر وتحديدا في مقر مسكن والدي بمدينة سعيدة. وكانت إحدى الصحف الفرنسية الصادرة في العاصمة باريس قد كتبت مقالا صدر بعد نحو عامين وتحديدا في تاريخ 27/10/1960 تحدثت فيه عن قصة وظروف فرار كروم والتحاقه بمنتخب جبهة التحرير الوطني.”
وماذا بعد دخول التراب التونسي وتأسيس المنتخب؟
“بعد دخول التراب الفرنسي وعمري لا يتجاوز 22 سنة شعرت كغيري من اللاعبين الجزائريين بالانتماء إلى الجغرافية العربية بمكانتها الإسلامية، وتونس كانت تمثل الشعلة في تجربتها التحريرية. وفور ذلك عملت قيادة المنتخب بالتنسيق مع السياسيين في الحزب والسلطات التونسية على تمكين جميع اللاعبين من الحيازة على جوازات تونسية كفيلة بتنقل المنتخب إلى كافة القارات والبلدان على اعتبار أن تونس كانت دولة مستقلة. وتمكن وفد المنتخب من الإقامة في مجمع سكني بالقرب من مبنى ملعب المنزه. وللإشارة فإن التونسيين كانوا رجالا ورفضوا تلقي مبالغ الإيجار نظير إقامة اللاعبين فشعر وفد المنتخب بحرارة اللحمة التي كانت تجمع الشعبين الجزائري والتونسي”.
ما هي أفضل ذكرى أو مباراة لك مع منتخب جبهة التحرير الوطني؟
“أفضل ذكرى ومباراة لي مع منتخب جبهة التحرير الوطني كانت بمناسبة مواجهة النادي العملاق ريال مدريد بنجومه الكبار في صورة دي ستيفانو وبوسكاش بملعب البيرنابيو، لأن حلم أي جزائري سواء قديما أو حاليا هو مواجهة الريال بملعبه، مع العلم بأن تلك المباراة انتهت بخسارتنا بنتيجة (5-2) وحدثت لي فيها واقعة مؤسفة لازلت أتذكرها.”
هل بإمكانك أن تحكيها لنا؟
“في نهاية المباراة بادرت إلى جمع توقيعات لاعبي الريال كتذكار حيث أمضوا جميعهم في البطاقة البريدية لي باستثناء بوسكاش الذي أصر وبشدة على عدم التوقيع، وبعدها استفسرت السبب ليتضح لي بأن بوسكاش يبغض العرب وهذا ما حز كثيرا في نفسي خاصة وأنني كنت صغير السن.”
يقال بأني لاعب جبهة التحرير ضحوا بالكثير من أجل الجزائر، فهل من توضيح؟
“على سبيل المثال أنا كنت قادرا على أن أجني أموالا أشتري بها مدينة المحمدية كاملة في تلك الفترة، لكنني فضلت التضحية بالمال والشهرة من أجل الجزائر والحرية وتلبية نداء الوطن، فكل ما كان يهمنا هو العيش بسلام مع إخواننا الجزائريين بعيدا عن أي قيود أو عبودية واستعمار.”
هل يكن الحاج كروم حقدا لأي شخص؟
“أود أن أطلب السماح من أي شخص أخطأت في حقه وأنا من جهتي “راني مسامح الجميع” ما عدا الوالي السابق لولاية معسكر أولاد صالح زيتوني حتى ولو كان مقبورا …والسبب أنه تعهد لي في وقت سابق خلال زيارته للملعب الجواري بأن يستفيد الملعب الخاص بالمدرسة الكروية التي أنشأتها، من تكسية أرضية ميدانه بالعشب الاصطناعي لكنه اتضح في نهاية المطاف بأنه كان يتلاعب بي وقدم لي وعودا وهمية لا غير، قبل أن يأتي التجسيد في الشهر القليلة وبالمناسبة أشكر كل من ساهم في استفادة الملعب من العشب الاصطناعي.”
هل سبق للحاج كروم وأن شارك في مباراة مرتبة سواء كلاعب أو كمدرب؟
“الحمد لله والداي لم يربياني على أكل الحرام وأقسم بالله العلي العظيم أنه وطيلة مسيرتي الكروية لم أشارك في أي مباراة مرتبة، لأنه لو كنت أريد المال الحرام لبقيت في فرنسا مثلما عمل بعض اللاعبين آنذاك.”
ماذا بات يحز في نفسك مؤخرا؟
“عندما يبلغني خبر وفاة أحد زملائي السابقين في منتخب جبهة التحرير الوطني أبكي بحريقة وبشدة لأنني أشعر بأنني فقدت أخا عزيزا علي، مثلما كان عليه الحال مؤخرا مع المرحومين رواي وبخلوفي، فلقد كبرنا وعشنا سويا وتقاسمنا الحلو والمر وكنا دائما عائلة واحدة حتى ونحن على بعد مسافات طويلة.”
بماذا تريد أن تختم هذا الحوار؟
“أود أن أشكر جريدة “بولا” التي تذكرتني في هذه الذكرى الغالية كما لا يفوتني أن أشكر كل من يتذكر الحاج كروم على غرار جمعية راديوز ورئيسها قادة الشافي ولخضر بلومي والحكم حنصال وفوسي، بالإضافة لرئيس الرابطة مدوار عبد الكريم، وأتمنى ألا أكون قد أخطأت في حق أي شخص سواء في ميدان الرياضة أو أي ميدان آخر، كما لا يفوتني أن أتضرع من المولى ليخفف عنا هذا الوباء.
حاوره الحاج علي