يايا توريه .. “فييرا” إفريقيا الذي غيّر تقاليد البريمرليغ
هي لحظات أشبه بضربة قاضية أو هدف ذهبي، قادرة على تغيير مجرى حياة أي شخص، تمنحه قوة وطاقة نور في أوقات عصيبة تكاد أن تعصف به، وفي ملاعب الرياضة هناك نجوم وأساطير، منهم من نشأ في ظل دين الفطرة وآخرون عادوا إليه بقناعة تامة، وما بينهما يبقى الإيمان والتسامح والهدف النبيل.
لعل أكثر المواقف والتي لا تزال محفورة في أذهان محبي وعشاق الساحرة المستديرة، تلك الواقعة الشهيرة عندما رفض الإيفواري يايا توريه لاعب وسط نادي مانشستر سيتي الإنجليزي، جائزة أحسن لاعب في إحدى المباريات لأنها كانت عبارة عن زجاجة نبيذ، والسبب لأن دينه الإسلامي يحرم عليه ذلك.
الرفض المشهود
جاء الرفض أمام عدسات المصورين بعد مباراة مهمة أمام فريق نيو كاسل يونايتد في الدوري، حيث اقترب فريقه من الفوز باللقب بعد تخطي تلك المباراة الصعبة، والتي انتهت بهدفين نظيفين سجلهما توريه نفسه والذي قدم يومها أداء خرافياً استحق عليه لقب رجل المباراة. يحكي يايا توريه عن تلك الواقعة قائلاً: قدّم لي زميلي في الفريق المدافع جوليان ليسكوت، الزجاجة والتي كانت جائزة أحسن لاعب في المباراة، عقب انتهائه من إجراء مقابلة تلفزيونية، فما كان مني سوى الاعتذار، ورفض أخذها وقلت له: ليسكوت.. أنا لا أشرب أنا مسلم.. يمكنك أن تحتفظ بها. في صباح اليوم التالي، نوّهت صحيفة ديلي ميل البريطانية الشهيرة بالواقعة، مؤكدة أن يايا توريه كان قاطعاً في رفضه لاستلام الجائزة التي تُمنح لرجل المباراة، ورغم ذلك اعتذر بلطف لزميله ليسكوت، الذي أثار الاستغراب بتقديم الزجاجة لتوريه، رغم معرفته السابقة بأنه مسلم، وسبق له التعبير عن ذلك بوضوح خلال تجربته مع مانشستر سيتي. يذكر أن الشركات الراعية للدوري الإنجليزي الممتاز دأبت على تقديم زجاجة نبيذ كجائزة لأفضل لاعب في كل مباراة، وسبق للحارس الدولي العماني علي الحبسي المحترف في ويغان أثلتيك رفض استلام الجائزة نفسها خلال الموسم الحالي بعد اختياره أفضل لاعب في إحدى مباريات فريقه.
صيام رمضان
لم تكن هذه هي المرة الأولى، والتي يخرج فيها النجم العالمي المعروف تمسكه بشعائر دينه الحنيف، بتصريحات ذات مغزى ديني، ولعل تلك الصراحة التي تحدث بها كانت دليلاً آخر على معرفته الوثيقة بأركان الإسلام، والذي أعطى حق الإفطار في حالات معينة، ومنها السفر والتي لجأ إليها يايا توريه.
البداية
الحكاية شهدتها مباريات دور الـ16 في مونديال البرازيل 2014 حيث أقيمت المنافسات في شهر رمضان المبارك، وشاءت الظروف أن يوجد عدد كبير من اللاعبين المسلمين ضمن المنتخبات المشاركة في هذه المرحلة، ومع ارتفاع درجات الحرارة في ظل صيام يستمر لمدة 11 ساعة، قرر عدد من اللاعبين تأجيل أداء الفريضة لما بعد انتهاء البطولة، وكان من ضمن هؤلاء يايا توريه لاعب خط وسط منتخب كوت ديفوار ونادي مانشستر سيتي الإنجليزي والذي صرح قائلاً: “الصيام في ظل هذه الأجواء الحارة والرطوبة القاتلة، أمر صعب للغاية، ألا ترون كم هي مرتفعة درجات الحرارة هنا، الإسلام دين يسر وليس عسر وسنأخذ رخصة السفر على أن نعوض تلك الأيام بعد العودة والانتهاء من البطولة، صدقوني إذا صمت فسوف أموت.”
عنصرية
يُعد لاعب الوسط الإيفواري ونجم مان سيتي الإنجليزي، أحد أبرز لاعبي كرة القدم في السنوات الأخيرة على الساحة العالمية، ولعل تمتعه باللياقة البدنية العالية والمقومات الجسمانية الهائلة وراء تصنيفه ضمن أفضل من لعب في مركز لاعب الوسط المدافع على مر التاريخ، وبالرغم من تلك الهالة الإعلامية التي تصاحب دوماً أبرز نجوم الكرة العالمية، إلا أن توريه يحرص على التركيز مع عالم الكرة فقط دون تسليط الضوء على حياته الشخصية والعائلية لا سيما مع التزامه الديني المعروف عنه.
تجريح
وبالرغم من ذلك تعرض لبعض المضايقات، والتي كانت بعيدة كل البعد عن الأمر اللائق، ووصلت في بعض التعليقات إلى التجريح الشخصي وهو ما رفضه تماماً، لأن دينه الإسلامي الحنيف لا يفرق بين مرء وآخر إلا بالتقوى فلا مجال للون أو العرق أو النسب أو الأصل. هكذا تربى وتعلم هو وإخوانه في بيت والديه الملتزمين دينياً.
أصل الحكاية
يحكي يايا توريه عن تلك الفترة قائلاً: في إحدى المرات وجدت على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي رسائل تحمل إساءة عنصرية بعبارات مخزية، وما أثار استغرابي أنني أعدت تفعيل حسابي على «تويتر» بعد غياب استمر خمسة أشهر، وأعتقد أن وجود مثل هذه الحالة من العداء في الرياضة، لا يمكن فهمه، لهذا السبب لن أقف مكتوف الأيدي، وسأحاول مكافحة هذه الآفة وتلك العنصرية البغيضة والتي نهى عنها ديني الحنيف، صدقوني كرة القدم ليس لها لون. نحن مجرد أشخاص من جميع أنحاء العالم نحاول الاستمتاع باللعبة، وشخصياً لم أشاهد ذلك أبداً في الرجبي، لم أره في التنس أو أي رياضة أخرى، لا أعرف من أين يأتي هذا الأمر وبالتحديد في ملاعب كرة القدم.
خبرة
يواصل توريه قائلاً: بالنسبة لي يمكنني التعامل مع الأمر لأني أمتلك الخبرة، ولكن بالنسبة للاعبين الصغار الذين ربما يجدون هذا الأمر على”تويتر”، فإنهم في البداية سوف يشعرون بالخوف ثم سيغلقون حسابهم ويكرهون كرة القدم. ينبغي أن نفعل شيئاً لكي نخبر الناس أن هذا النوع من السلوك يجب أن يتوقف، أريد أن يفهم هؤلاء أن ما يفعلونه أمر خاطئ.
سجال
بعد تلك التصريحات النارية من اللاعب الكبير خرج المتحدث الرسمي لتويتر قائلاً: نحن منزعجون من مسألة أن يعامل شخص ما بهذه الطريقة. فهذا الأمر يدفع لاعبي كرة القدم للتفكير في عدم استخدام مثل هذه المنابر للتواصل الاجتماعي، وأعلنها صراحة سنقدم ليايا توريه دعمنا الكامل.
موقف
لم يكن هذا الموقف هو أكثر المواقف حزناً في حياة النجم الأفريقي، بل زادته ألماً وفاة شقيقه الأصغر إبراهيم توريه، في ذلك الوقت كانيايا مع شقيقه الآخر كولو ضمن صفوف المنتخب الإيفواري بمونديال البرازيل 2014، ووصل الخبر إلى مسامعه، فبكى من شدة الحزن على وفاه الأخ الأصغر قائلاً: “حزين للغاية أشعر أنني لم أفعل أي شيء مفيد له في الأسابيع الأخيرة، في نهاية الموسم كنت أرغب في البقاء أربعة أو خمسة أيام معه في المستشفى الذي كان يُعالج به من السرطان، قبل أن أذهب للتحضير لكأس العالم مع منتخب بلادي، لكن إدارة النادي لم توافق، بعدها توالت رسائل التعزية من الاتحادين الدولي والأفريقي ومن مانشستر سيتي حيث يلعب يايا توريه وأخرى من ليفربول الذي يلعب له كولو”.
محطات
ولد يايا «يحيى» توريه في 13 ماي 1983 في مدينة بواكيه بكوت ديفوار، بدأ اللعب مع أسيك ميموسا في 1996 وانتقل إلى بيفيرين البلجيكي 2003، ثم دونيتسك الأوكراني، ورحل في سنة 2005 إلى نادي أوليمبياكوس اليوناني. انتقل في 2007 إلى نادي برشلونة وحقق دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني وكأس الملك وكأس السوبر الأوروبي وكأس السوبر الإسباني وأخيرا كأس العالم للأندية في الإمارات.
أهدى توريه سداسية برشلونة التاريخية لجميع المسلمين الذين تابعوه حين قال: “أنا فخور جداً بتحقيق هذا الإنجاز وأريد أن أهديه لكل المسلمين الذين تابعوني وتمنوا لي الحظ السعيد”. في 3 مواسم مع برشلونة بالدوري لعب يايا 74 مباراة وسجل 4 أهداف، وفي الكأس 13 مباراة وسجل هدفا وحيدا وعلى الصعيد الأوروبي لعب 30 مباراة وسجل هدفا وحيدا. في عام 2010 رحل إلى نادي مانشستر سيتي الإنجليزي بعد 3 مواسم قضاها مع برشلونة بسبب خلافاته مع مدرب الفريق وقتها الإسباني بيب جوارديولا
نور الدين عطية