معسكر… دار الشباب عبد القادر عبد القادر متنفس للشباب بالمحمدية
تنتشر المئات من دور الشباب في مختلف ولايات الوطن، وذلك بهدف تنمية الشباب وتوفير كافة الظروف التعليمية والترفيهية الملائمة لهم. واليوم بدأ دورها يتزايد مع ارتفاع نسبة الشباب وكثرة تطلعاتهم. وهذه المؤسسات الشبابية هي بمثابة هياكل تربوية اجتماعية وثقافية توفر للشباب فضاءات تنشيطية للتكوين والترفيه وتخضع لإشراف وزارة الشباب والرياضة وتهدف إلى تعزيز انتماء الشاب إلى وطنه وتجذير هويته. ويشدد اليوم الأخصائيون الاجتماعيون على أهمية دور الشباب في توعية هذا الجيل الصاعد وإبعاده عن كل الأخطار والتمزقات المحدقة بالمجتمع. في مدينة المحمدية ولاية معسكر تستقطب دار الشباب عبد القادر عبد القادر يوميا عشرات الشبان من مختلف الأعمار يتوزعون على منتدياتها التي تحمل ألوانا عديدة، فمنها الثقافية و الفكرية و الفنية و العلمية و الرياضية وغيرها.
جمال شودار مدير دار الشباب عبد القادر عبد القادر بالمحمدية يقول لـ “بولا ” عن تجربته في تأطير الشباب ضمن هذه المؤسسة: “إن دور الشباب في الجزائر ، هي تلك الأمكنة الضاربة في جذور التاريخ والمتلونة حتى العمق بلون هذه الأنشطة التي تحصل فيها وتكتسي خصوصية الفضاء الذي تنتمي إليه أي الحي السكني أو الحومة باللهجة الجزائرية العامية”. وتابع: “لكل دار شباب طابعها الخاص الذي يميزها عن البقية، ولا نتحدث هنا فقط عن الطابع المعماري والهندسي بل أيضا عن خصوصية الأنشطة وأشكالها وخصوصية الرواد وطبيعة أساتذة التأطير وأولوياتهم في العمل. لقد كانت ولا تزال هذه المؤسسات تحتضن نسبا كبيرة من الشباب، ودورها الأساسي هو إنقاذهم من الفراغ ومن الضياع، وأيضا من أخطار العالم الخارجي.”
ويضيف: “لقد تجاوزت دور الشباب اليوم في ظل هذه المتغيرات والأخطار والظروف الاقتصادية الصعبة الدور التقليدي في ملء أوقات الفراغ إلى الدور التكويني الذي يعمد إلى تغيير طرق تفكير الشباب ونظرتهم للحياة بالعمل على المهارات الحياتية كالمصالحة مع الذات والتواصل وغرس أساليب وطرق العمل الجماعي وقبول الاختلاف وقبول الآخر والتفاوض.”
دور المؤطر و تأثيره في التغيير عند الشباب
وعن دور الأستاذ المؤطر يضيف شودار جمال بالقول: “إن دوره رغم أهميته لا يزال مجهولا وغامضا للأكثرية، فعلاوة على تكوينه الأكاديمي، لا بد للأستاذ الملتحق بإحدى دور الشباب أن يكون متحصلا على الأستاذية في التنشيط الشبابي ومتخرجا من المعاهد الموجودة في الجزائر . وإضافة إلى ذلك يجب أن يكون للأستاذ تكوين ثقافي، وأن يكون ملما بعلم النفس لأنه المحرك الأساسي لفهم طبيعة الشباب وطبيعة المحيط الخاص بهم وظروف عيشهم، وهو من أولويات الأستاذ المؤطر، إضافة إلى تمكنه من أساسيات علم الاجتماع وديناميكية المجموعات. ولعل دوره في الأساس يكمن في تدريب الشباب على اكتساب المهارات الحياتية من ناحية وإعدادهم للحياة الجماعية من ناحية أخرى.”
إن العمل داخل المجموعة ونقصد مجموعة النشاط أو المجموعة المنخرطة في النادي الواحد والذي يجمع أفرادها عشقهم للنشاط هو الميزة الأساسية لعمل الأستاذ، والتي تتطلب تقنيات خاصة هي في الأساس غرس طرق وأساليب التعامل مع الآخر في المجموعة، والتي هي صورة عن التعامل مع الآخر في العالم الخارجي كالتفهم وقبول الاختلاف في الرأي والتنازل للآخر عند اللزوم والقدرة على الاحتواء واكتساب أساليب القيادة. كل هذه التقنيات وغيرها هي ما يسعى الأستاذ إلى غرسه في الشباب بشتى الطرق والوسائل عسى أن يهيئهم لمواجهة الأمور الحياتية بعد أن يكون قد ساعد على تحقيق توازنهم النفسي وعلى اكسابهم، كل حسب عمره، آليات التعامل مع الآخر ومواجهة مصاعب الحياة.
تحديات عديدة
أما عن أبرز التحديات التي تواجه المؤطر في دار الشباب فيوضح شودار جمال بالقول: “لا يستطيع المؤطر أن ينجح في هذه العملية الإنقاذية التواصلية التغييرية إلا إذا بنيت بينه وبين الشباب علاقة إنسانية خاصة فيها من المحبة والأمومة والأبوة الشيء الكثير، فتغيير العقول يبنى بالمحبة وبالأجواء الخاصة التي تأخذ الشباب من إغراءات العالم الخارجي”. أما عن أنواع النوادي التي تحتويها دور الشباب فتابع محدثتنا: “هناك نواد فكرية وثقافية و فنية و علمية و رياضية و كل منها تلبي رغبات الشباب المختلفة”.
تغيير كبير لدور دُور الشباب بين الأمس واليوم
بوزيان بوزيان من قدماء رواد دور الشباب، يقول إن انتمائه لدار الشباب أحدث تغييرا كبيرا في حياته، فهي بالنسبة له رمز الفن والثقافة والإبداع. ومكان لممارسة الأنشطة والتمتع بأوقات الفراغ بعيدا عن الشارع وفساد المجتمع. ويوضح بالقول: “يلعب هذا المكان دورا هاما في تأطير الشباب والارتقاء بأفكاره وصقل مواهبه فنجده ناضجا ومرنا في التعامل مع الآخر”. وتابع: “لقد نشطت في دار الشباب منذ نعومة اظافري في زمن غير هذا الزمان أي منذ بلوغي سن المراهقة. وكنت في البداية خجول لم أكن لأتأقلم وسط المجموعة لولا أشخاص جعلوا منا ورودا متفتحة وهم أستاذتنا ومؤطرينا الأجلاء. وكان نادي دار الشباب ولا يزال ملجأنا للهروب من ضغوط الحياة.
جعل منا هذا النادي اشخاصا واعيين، ذا ثقة عالية بذاتنا، نملك تقنيات التعامل وأساليب الحوار والاستماع. رجالا متشبثين بالقيم والمبادئ، والأهم رجالا مفكرين لا ينساقون وراء الميوعة والفراغ. أما الطفل بوفرمة عبد الرزاق فهو أيضا من المنتمين لدار الشباب وروى لـ “بولا” تفاصيل تجربته فقال: “كنت أميل إلى تمضية الوقت لساعات طويلة أمام الكمبيوتر و الهاتف الذكي، ثم عرضت علي أسرتي فكرة الانتماء لدار شباب أين يمكن أن أجد أصحابا في مثل عمري ويشاركونني ربما الهوايات، وبعد فترة أحدث هذا النادي بكل ما لمسنا فيه من رعاية وتأطير وحب، تغييرا كبيرا في شخصيتي فتعلمت من خلاله فن المحادثة وكيف نواجه الآخر كيف نتحدث أيضا مع الآخرين وعزز ثقتي بنفسي أكثر فهو بمثابة مدرسة تعدنا للمجتمع وكيفية العيش فيه، وأمضي هنا ساعات طويلة بصحبة زملائي ونحن نتناقش ونتبادل الهوايات المشتركة مثل القراءة والمطالعة وأحيانا نذهب في رحلات استكشافية جماعية.
كما تعلمنا أهمية التطوع ومساعدة الآخرين ونظمنا أياما مشتركة أيضا خصصناها لتنظيف المحيط وأحلامنا لا تزال كبيرة ونأمل ان نحقق المزيد.” لقد أنشئت دور الشباب في الجزائر كمتنفس وكمساحة للمراهقين والشباب للابتعاد عن مخاطر المجتمع وتحولت لاحقا إلى أهم معاضد للمؤسسات التربوية النظامية في عملها التربوي والبيداغوجي في سياق تطوعي يستهدف الشباب. واليوم مع تصاعد خطر الآفات كثر الحديث عن أهمية إعطاء دور أكبر لهذه المؤسسات الشبابية.
إعداد: سنينة. م