من معسكر إلى أبيدجان.. نادي العزم يقهر نقص الإمكانيات ويصنع الأبطال
في خطوة تؤكد جودة التكوين القاعدي في رياضة الجودو الجزائرية، نجح النادي الرياضي الهاوي “العزم” من معسكر في تحقيق إنجاز رياضي نوعي، تمثل في دخوله الرسمي للتصنيف العالمي للاتحاد الدولي للجودو (IJF Ranking). هذا النجاح جاء كنتيجة مباشرة للحصاد المميز الذي حققه النادي خلال مشاركته في ثلاث منافسات قارية متتالية في أبيدجان بكوت ديفوار، حيث تمكن وفده المكون من ستة مصارعين فقط من حصد ميدالية ذهبية، ميداليتين برونزيتين، ومرتبة خامسة مشرفة.
الإنجاز يكتسب أهمية مضاعفة بالنظر إلى مستوى المنافسة العالي، حيث لم يقتصر التحدي على الأندية الإفريقية، بل شمل منتخبات وطنية كاملة ومدارس جودو دولية من كندا ولوكسمبورغ وبريطانيا، مما وضع مصارعي النادي في اختبار حقيقي لقدراتهم الفنية والبدنية. “بولا” تفتح هذا الملف لتسليط الضوء على الأبعاد الرياضية لهذا الإنجاز، وتحليل نتائجه الفنية، وتقديم رؤية من قلب الحدث عبر شهادات صانعيه، الذين كشفوا عن واقع رياضة النخبة حين تُترك لتصارع من أجل البقاء، وعن حجم التضحيات التي تقف خلف كل ميدالية ترفع اسم الجزائر عالياً.
المدرب مولاي علي: “التحضير المنهجي صنع الفارق.. ونطمح للمزيد“

المدرب عبدو مولاي علي، وفي تصريح خص به “بولا”، قدم تقييماً فنياً للمشاركة، حيث صرح: “حين تقيّم الأمور بلغة النتائج، يمكنني القول إن المشاركة كانت جد إيجابية بنسبة نجاح بلغت 90%، وهذا يعود لبرنامج تحضيري انطلق منذ شهر جوان، ركزنا فيه على الجانبين البدني والتقني، وكنا نعلم أننا سنواجه منافسين من الطراز العالي، متوجين بألقاب إفريقية ويشاركون بانتظام مع منتخباتهم، لذا كان لابد من أن يكون مصارعونا على أتم الجاهزية الذهنية والبدنية، لكن خلف هذه الصورة المشرقة، هناك حقيقة مؤلمة، وهي أننا لم نستطع أخذ ثلاثة أو أربعة مصارعين آخرين من خيرة عناصرنا بسبب شح الموارد المالية، وهذا يترك في النفس غصة كبيرة”.
وعن التحديات التي تواجه تطور الفريق، أضاف المدرب بنبرة واقعية: “التحدي الحقيقي الذي نواجهه ليس على البساط، بل في محيطنا التدريبي، فالنقائص كثيرة، وأهمها القاعة التي نتدرب فيها، فهي قاعة بعيدة عن أماكن سكن جل المصارعين، مما يضيف عبء التنقل اليومي على كاهلهم، كما أن مساحتها الصغيرة أصبحت عائقاً حقيقياً أمام تطور المستوى الفني للاعبين، فلا يمكن تطبيق خطط تكتيكية معقدة أو إجراء نزالات تدريبية حقيقية في مكان ضيق، ولقد أصبحنا نلقى صعوبات جمة في إدارة الحصص التدريبية، والأسوأ من ذلك هو كثرة الإصابات التي تحدث جراء ضيق المكان واصطدام اللاعبين ببعضهم البعض، وهذه القاعة تنعدم فيها أدنى شروط الممارسة الرياضية اللائقة، فلا ماء متوفر ولا تدفئة في الشتاء القارس، لذا نلتمس من السلطات الوصية النظر بعين العطف لهؤلاء الأبطال وتوفير قاعة تليق بمقامهم وبحجم أحلامهم التي تتجاوز حدود هذا المكان الضيق”.
ويختتم المدرب حديثه بالشهادة التي تلخص حجم المعاناة، فيقول: “الجانب المالي هو الهاجس الذي يؤرقنا باستمرار، فالميزانية المخصصة لنا لا تكفي حتى لتغطية موسم رياضي محلي، فما بالك بالمشاركة قارياً ودولياً؟ ولكي تتضح الصورة للجميع، والله لقد ذهبنا من مالنا الخاص، ولقد قمت شخصياً باقتراض مبلغ مالي كبير من أجل تغطية مصاريف التنقل إلى كوت ديفوار، وقد فعلت ذلك لأنني أؤمن بهؤلاء الشباب وبقدرتهم على تشريف الوطن، ولأنني لم أستطع أن أخذل أحلامهم، لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فنحن في حاجة ماسة إلى ممول أو دعم حقيقي، وهؤلاء الأبطال يستحقون الرعاية، لا أن يكون مصير مشاركاتهم معلقاً على قروض شخصية وديون تتراكم على مدربهم”.
موساوي محمد: “الذهب خطوة أولى نحو المنتخب الوطني“

صاحب الميدالية الذهبية في فئة الأشبال، موساوي محمد، أكد أن هذا التتويج هو مجرد بداية لمسيرته الدولية، قائلاً: “إنه شعور خاص لا يمكن وصفه بالكلمات، فرحة كبيرة تغمرني، خاصة وأنني أشارك لأول مرة خارج الوطن وفي ظروف لم تكن سهلة في أدغال إفريقيا، فالفوز بميدالية ذهبية للجزائر في هذا المحفل هو تتويج لسنوات من التعب والتدريب، والمنافسة كانت قوية جداً، لكن تحضيراتنا الطويلة والشاقة كانت في المستوى المطلوب، وكنا كفريق واعين تماماً بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا لتمثيل نادينا وبلدنا أحسن تمثيل”.
ويتحدث عن أصعب لحظات البطولة، تلك اللحظات التي تُصنع فيها الأساطير، فيقول: “أصعب نزال بالنسبة لي كان في الدور نصف النهائي، حين واجهت مصارعاً من البلد المضيف، كوت ديفوار، على أرضه وأمام جمهوره الغفير، حيث كانت الأجواء حماسية جداً، وتشجيعات الجمهور الإيفواري، المعروفة بقوتها في ملاعب كرة القدم، كانت تزلزل القاعة، وكان ضغطاً رهيباً، وفي كل لحظة كنت أسمع زئير القاعة يهتف باسم خصمي، وفي تلك اللحظة، كان بإمكاني أن أنهار، لكنني تذكرت كل التضحيات ووجه مدربي وأحلام زملائي، فقررت أن هذا الزئير يجب أن يتحول إلى دافع لي، والفوز لم يأتِ بسهولة، بل كان بعد محاولات عديدة لتنفيذ حركتي المفضلة، وفي النهاية تمكنت من ذلك بعد تنفيذ حركتين متتاليتين والفوز بنقاط المنازلة، وللمفارقة، فإن النزال النهائي كان أيضاً ضد مصارع إيفواري ثان، لكن الفوز في نصف النهائي منحني ثقة هائلة وشعوراً بأنني لا أُقهر”.
وينظر موساوي الآن إلى المستقبل بعيون تملؤها الطموحات الكبيرة، ويضيف: “هذه الميدالية ليست نهاية الطريق، بل هي مجرد محطة أولى، فأهدافي المستقبلية واضحة، وهي رفع مستواي الفني والبدني أكثر وأكثر، وذلك من أجل تحقيق حلمي الأكبر بالالتحاق بالمنتخب الوطني، ومواصلة تشريف نادي العزم الذي أتدرب فيه، والجزائر في كل محفل دولي أشارك فيه، وأريد أن أقول للجميع إن هذه الذهبية هي وعد بالمزيد”.
قمح محمد سيد أحمد: “الثقة وروح الفريق قادتنا للمنصة“

من جهته، اعتبر صاحب الميدالية البرونزية في فئة الأكابر، قمح محمد سيد أحمد، أن العامل الذهني كان حاسماً، حيث صرح: “الحمد لله، هذه النتيجة كانت ممتازة ومشرفة، خاصة وأنها أول بطولة إفريقية لي في صنف الأكابر، وهو مستوى مختلف تماماً من حيث القوة والتكتيك والخبرة، وهذه الميدالية لن تكون الأخيرة بإذن الله، بل أعتبرها بمثابة تحفيز قوي وبداية حقيقية لمسيرتي على المستوى القاري، وأعتقد أن العنصر الأساسي الذي ساعدني للوصول إلى منصة التتويج والتغلب على منافسين أقوياء، هو الثقة بالنفس التي زرعها فينا مدربنا، وعدم استصغار أي خصم مهما كان اسمه أو تاريخه، إضافة إلى روح الفريق وعقلية الفوز التي تسود في نادينا، فنحن لسنا مجرد زملاء تدريب، بل نحن كعائلة واحدة ندعم بعضنا البعض في الفوز والخسارة، وهذا الدعم النفسي لا يقدر بثمن، وهذا الإنجاز يفتح لنا آفاقاً جديدة، حيث نتمنى المشاركة في الدورة القادمة بصفوف مكتملة، خاصة وأننا دخلنا رسمياً في التصنيف العالمي للاتحاد الدولي للجودو، حيث تم تصنيفنا في المركز 275 عالمياً والسابع وطنياً، وهذا سيسمح لنا بالمشاركة في بطولات أكبر وأقوى”.
محمد عبد الواحد: “البرونزية مسؤولية.. وهدفنا العالمية“

زميله المتوج بالبرونزية أيضاً، محمد عبد الواحد، شدد على أهمية الاحتكاك الدولي، مؤكداً: “المشاركة في مثل هذه البطولات الدولية هي أمر ضروري وحيوي لأي رياضي يطمح للتطور، فهي تمنحك فرصة للاحتكاك مع أبطال من مدارس مختلفة، وتكتشف أساليب وتقنيات جديدة، وتتعلم كيف تتعامل مع الضغط في مواجهات عالية المستوى، وهذا الإنجاز يثبت أننا كرياضيين في نادي العزم نسير في الطريق الصحيح، وأن العمل الذي نقوم به يؤتي ثماره، لكن في نفس الوقت، هذه التجربة توضح لنا حجم العمل الهائل الذي لا يزال ينتظرنا، فالفوز ببرونزية قارية أمر مشرف، لكنه يضع على عاتقنا مسؤولية أكبر، وهي أنه يجب علينا المزيد من التدريبات والالتزام أكثر لكي نتمكن من تقديم مستوى أعلى في المستقبل والمنافسة على الذهب، فكل تتويج هو مسؤولية، وهذه الميدالية هي دافع لي لمضاعفة المجهودات وتشريف النادي والوطن في المنافسات القادمة، والوصول إلى العالمية التي نحلم بها جميعاً”.
حليمة.خ




