مولودية البرج لكرة اليد(فئة أقل من 17 سنة) … كأس الجمهورية.. تتويج لمسار من الإصرار و الإنضباط

شهدت الساحة الرياضية الجزائرية مؤخرًا لحظة فخرٍ، تمثلت في تتويج فريق مولودية برج بوعريريج لكرة اليد لفئة أقل من 17 سنة بكأس الجمهورية. هذه المباراة النهائية، التي تفوّق فيها أشبال المدرب سايب على منافسهم بفارق 9 نقاط (27 مقابل 18 إصابة)، لم تكن مجرد إضافةٍ لسجل النادي، بل كانت تتويجًا لمسارٍ طويلٍ من العمل الجاد، وتجسيدًا لرؤيةٍ واضحةٍ تهدف لبناء جيلٍ رياضيٍّ مُميّز. ولفكّ شفرة هذا النجاح الباهر وأبعاده المستقبلية، تحدثت “بولا” مع مسؤولي النادي والطاقم الفني للوقوف على أسرار هذا التتويج التاريخي.
بناء مستدام وتجاوز للتحديات
أكد رئيس الفريق إدريس بن قدوج، أن هذا التتويج لم يأتِ من فراغ، موضحاً أنه نتاج تخطيطٍ استراتيجيٍ ممنهجٍ يرتكز على دعائم قوية، إذ أن الإدارة، حسب قوله، تعتمد على كفاءاتٍ رياضيةٍ مُتخصصةٍ تنتمي لعائلة كرة اليد، وهو ذات النهج المتبع في اختيار الأطر الفنية، كما شدد على أن نجاح كرة اليد يتطلب كفاءةً عاليةً، وإخلاصاً في العمل، وطموحاً لا يعرف الحدود، مؤكداً بذلك أهمية العمل الجماعي والتواصل الدائم بين كل الأطقم.
وقد كشف بن قدوج، عن حرص النادي على انتقاء المواهب الشابة بمعايير أخلاقية ورياضية بحتة، مع دراسة مدى استعدادهم لممارسة الرياضة عموماً وكرة اليد خصوصاً، فضلاً عن إشراك أولياء اللاعبين في منظومة النادي لتعزيز هذا الدعم. وفي سياق التحديات، لم يُخفِ الرئيس أن الدعم المقدم من السلطات، على الرغم من أهميته، يبقى غير كافٍ لتحقيق الأهداف الطموحة على المديين القريب والبعيد، فإدارة النادي، كما أفاد، غالباً ما تضطر إلى الاستدانة أو حتى الإنفاق من المال الخاص، وهو ما يُثقل كاهل الفريق ويُعيق تحقيق الأهداف المرجوة، غير أنه شدد على أن الإرادة القوية، والعمل الجماعي الصادق، والحب الجارف للنادي واللعبة، مكنتهم من تجاوز هذه العقبات، وأشار إلى أن هذه الروح، بالإضافة إلى حسن التسيير والحنكة والخبرة المتراكمة، قد أثمرت عدّة ألقاب سابقة، منها على سبيل المثال لا الحصر كأسا الجمهورية لأقل من 21 و15 سنة في (2022-2023).
وثنائية الكأس والبطولة الوطنية للأكابر ولصنف أقل من 15 سنة (2023-2024)، إلى جانب الكأس الممتازة للأكابر 2024، ووصول الفريق إلى النهائي في صنفي أقل من 21 و15 سنة هذا العام. وفي تقييمه لآثار هذا التتويج، أبدى الرئيس إدريس بن قدوج نظرة واقعية، مُعترفاً بأن وضعية الرياضة عموماً وكرة اليد خصوصاً قد لا تُسفر عن أثرٍ ماديٍ إيجابيٍ فوريٍ، وذلك على الرغم من أن صورة النادي مُشرفةٌ للغاية على المستويين الوطني والمحلي، كما لفت الانتباه إلى صعوبة جذب المواهب في ظل اهتمام السلطات ووسائل الإعلام بكرة القدم أكثر من كرة اليد، واختتم حديثه بضرورة تعديل التوقيت المدرسي لضمان التوازن بين الرياضة والدراسة، مشدداً على أنه عاملٌ أساسيٌ لتطور الرياضة الجزائرية.
إعداد ذهني ومسار نحو النجومية
من جانبه، كشف المدرب محمد الأمين سايب أن فوز الفريق في المباراة النهائية قد ارتكز على تحضيرٍ متكاملٍ ومستمرٍ طوال الموسم، شمل الجوانب البدنية، والفنية، والتكتيكية. وأفاد بأن الإعداد لمواجهة النهائي بالذات، استغرق حوالي 20 يوماً، تركز خلالها العمل بشكلٍ مكثفٍ على الجانب الذهني للاعبين، إذ يُعد هذا عنصراً حاسماً في مثل هذه المباريات الفاصلة.
فنياً وتكتيكياً، جرت دراسةٌ معمقةٌ لنقاط قوة وضعف الخصم من كافة الجوانب، وقد سهّلت هذه الأمور مجتمعةً مهمتهم بشكلٍ كبير، مؤكداً أنهم بفضل الله حققوا الانتصار المستحق. وعن تألق النجوم وبناء الروح الجماعية التي ميزت الفريق، أوضح سايب أن تألق اللاعب رائد بوعكاز، وبقية زملائه، كان ثمرةً لمجهوداتهم الجبارة طوال موسمٍ كاملٍ امتد لأحد عشر شهرا. وأوضح أن بناء المجموعة وغرس الروح القتالية العالية، كان عمليةً تراكميةً اكتُسبت بمرور الوقت.
ومع تراكم الخبرات من المباريات والتحديات المختلفة، التحفيزات الدائمة والعمل على تطويرهم المستمر هي التي قادتهم لرفع مستواهم الفني والذهني، وجعلتهم كتلةً واحدةً قادرةً على تحقيق هذا اللقب. وفي ختام حديثه، شدد المدرب محمد الأمين سايب على أن الهدف الأساسي والرئيسي لفريقهم لا يتوقف عند حدود حصد الألقاب، بل يمتد إلى تكوين اللاعبين على المدى الطويل من كافة الجوانب: الفنية، والبدنية، والذهنية. ولفت الانتباه إلى أنهم يمتلكون بالفعل عدّة لاعبين من هذه الفئة انضموا لصفوف المنتخب الوطني لأقل من 17 سنة، مؤكداً طموحهم في أن يمثلوا الراية الوطنية خير تمثيلٍ في المحافل الدولية، وأن يشكلوا في المستقبل القريب دعامةً أساسيةً لفريق الأكابر في مولودية برج بوعريريج، لتستمر مسيرة النادي في الإنجازات.
يُشكل تتويج مولودية برج بوعريريج بكأس الجمهورية لأقل من 17 سنة نقطةً مضيئةً في مسيرة النادي، ويُبرز جيلاً واعداً لكرة اليد الجزائرية. هذا الإنجاز ليس مجرد كأسٍ يُضاف إلى الخزانة، بل هو دليلٌ على فعالية الرؤية الإدارية، وعمق العمل الفني، والتزام اللاعبين الشباب. وبذلك، فمولودية البرج لا تكتفي بتحقيق الألقاب، وإنما تسعى لبناء قاعدةٍ صلبةٍ من المواهب تُضمن استمرارية النجاح ورفد الساحة الوطنية بلاعبين على مستوىً عالٍ، لتُثبت أن الإصرار والعزيمة كفيلان بتجاوز أي تحدياتٍ تعترض طريق التألق الرياضي.
مها.ك