تحقيقات وروبورتاجات

نادي أولاد عين الفوارة … رؤية ثاقبة وعمل قاعدي يكتب تاريخ سطيف في كرة اليد

من عاصمة الهضاب العليا، سطيف، كتب نادي أولاد عين الفوارة سطراً جديداً في تاريخ كرة اليد الجزائرية، لم يكن هذا الإنجاز مجرد تتويج بكأس، بل كان تتويجاً لرؤية ثاقبة وعمل قاعدي دؤوب، وإرادة لا تلين، أثمرت عن لقب تاريخي لفئة أقل من 14 سنة، هذا النادي القادم من عمق المدينة، أعاد رسم خارطة المجد الرياضي، ليؤكد أن العزيمة الصادقة قادرة على صناعة الأبطال، ولنقل الصورة الكاملة لهذا الإنجاز، تحدثت بولا مع القائمين على هذا المشروع لسرد قصة الطموح الكاملة.

فلسفة النادي ومشروع التكوين

تأسس نادي أولاد عين الفوارة في ديسمبر 2017، بفضل نخبة من الرياضيين من مدينة سطيف، وكان هدفه الأساسي هو النهوض بكرة اليد النسوية في الولاية، كما قال الياس بوعود، ففي تلك الفترة، كان التمثيل النسوي في هذه الرياضة محدودًا جداً، والأولياء مترددين في دفع بناتهم نحو كرة اليد بسبب نقص الفرق والغموض المحيط بهذا المجال، منذ البداية، انخرط النادي رسميًا في رابطة سطيف الولائية لكرة اليد بفئات الكتاكيت والمدارس، وبالتوازي مع ذلك، ركز النادي على العمل القاعدي من الفئات الصغيرة التي لا تتجاوز أعمارها ست سنوات، حيث حرصوا على تكوين تصاعدي سنوي لتطوير المستوى. بعد مرحلة النشأة، شرع النادي مباشرة في هيكلة أساساته، وهي مرحلة دامت أربع سنوات كاملة، بعدها، انتقل القائمون على المشروع إلى مستوى ثانٍ، تمثل في استقطاب أكبر عدد ممكن من اللاعبات، ولتحقيق ذلك، تم إنشاء صفحة رسمية على موقع فيسبوك لعرض أنشطة النادي وإبراز أهمية ممارسة الرياضة، مما ساعد على كسب ثقة الأولياء وتشجيعهم على إدماج بناتهم في كرة اليد، وفي هذا السياق.

يضيف بوعود أنهم تبنوا رؤية جديدة تقوم على تهيئة بيئة رياضية منظمة، حيث حرصوا منذ البداية على تجهيز اللاعبات بكل المستلزمات من اللباس الرياضي الموحد إلى الكرات والوسائل المعتادة للتدريب، وذلك لإعطاء صورة احترافية وترسيخ الجدية والانضباط داخل النادي، بفضل هذا العمل المتواصل، تمكن النادي خلال سبع سنوات من تكوين مختلف الفئات العمرية وتوسيع قاعدة الممارسات بشكل ملحوظ. وعقب هذه المرحلة، قرر النادي إطلاق مشروعه الأكاديمي الرسمي والطموح 1204، والذي يرتكز على 1000 ساعة تدريبية موزعة على أربع سنوات، و200 مباراة على مدار أربع سنوات، بالإضافة إلى 4 أقطاب للتكوين بمدينة سطيف موجهة لفئات الكتاكيت والمدارس، ويؤكد رئيس النادي أن مشروعهم لا يقتصر فقط على الجانب الرياضي، بل يشمل أيضًا التربية، الأخلاق، الانضباط والدراسة، باعتبارها أسسًا لصناعة لاعبة متكاملة، ولتعزيز ذلك، وضعوا ميثاقًا أخلاقيًا خاصًا بالنادي، يُسلَّم نسخة منه لكل الأولياء، ويتضمن الحقوق والواجبات وينظم أدق تفاصيل الحياة داخل النادي، ليضمنوا بذلك أنهم يصنعون أجيالاً صالحة للمجتمع والوطن.

رحلة الإنجاز

لم يكن الوصول إلى كأس الجزائر سهلاً، فقد كان مشواراً شاقاً ومحفوفاً بالتحديات، يصف المدرب ميلود مقران ، مدرب فئتي أقل من 16 و18 سنة، رحلة الفريق قائلاً: “لتحقيق هذا الإنجاز التاريخي لولاية سطيف، كان علينا المرور بمشوار طويل وصعب، البداية كانت من الدور الولائي ضد فرق ولاية سطيف، ثم انتقلنا إلى الدور الجهوي حيث واجهنا فرق الشرق، وبعدها دخلنا غمار الدور الوطني لنلاقي أقوى وأعرق الفرق في كرة اليد النسوية بالجزائر”، ويضيف أن الفريق كافح بثلاث فئات كاملة، حيث واجه فرقًا كبيرة على غرار فريق صدوق من بجاية، وفريق أقبو، وفريق قديل من وهران، وفريق حواء سعيدة، وبفضل عزيمة اللاعبات وروح الفريق، استطاعوا التغلب عليها والوصول بثلاث فئات إلى نهائي كأس الجزائر، وهو إنجاز يعتبره المدرب أعلى وأبرز ما يمكن أن يحققه أي نادٍ في كرة اليد الجزائرية، و”هو فخر كبير لسطيف وللرياضة النسوية ببلادنا”. وكانت ثقة المدربين في الفريق راسخة منذ وقت مبكر، يقول ميلود مقران: “بعد تأهلنا من الدورين الولائي والجهوي، وبكل صراحة، منذ الإعلان عن قرعة كأس الجزائر، كنا نؤمن بقدرتنا على الوصول إلى النهائي بثلاث فئات كاملة، السبب في ذلك هو معرفتنا الجيدة بالفرق التي ستواجهنا في الدور الوطني، حيث سبق لنا اللعب معها في مباريات ودية ودورات تحضيرية”.

 لحظة التتويج

قبل النهائي، لم يترك النادي شيئاً للصدف، حيث كشف المدير الفني ياسين غرزولي، عن الإعداد الاحترافي الذي سبق المباراة: “قبل النهائي، حرصنا على تهيئة كل الظروف المثالية للفريق، حيث تنقلنا إلى الجزائر العاصمة ثلاثة أيام قبل المباريات، وأقمنا في فندق مريح وفر لنا الراحة والهدوء، خلال هذه الفترة، أجرينا حصة تدريبية أولى بقاعة برج الكيفان، ثم في اليوم الموالي تدربنا على أرضية قاعة حرشة حسان، القاعة التي ستحتضن النهائي، حتى تتأقلم اللاعبات مع الأجواء”. وفي غرفة الملابس، كانت الكلمات قوية ومحفزة، يقول غرزولي: “كان خطابنا للاعبات واضحًا ثقن في قدراتكن، العبن بحزم وتركيز، نحن نؤمن بكن، وهذه فرصتكن لكتابة التاريخ وتحقيق أول كأس في تاريخ سطيف، قلنا لهن إن هذا اليوم سيكون محطة فارقة في حياتهن وحياة عائلاتهن، وطلبنا منهن أن يكنّ كما عهدناهن دائمًا، مقاتلات في الميدان”.  كما قدّم المدرب الرئيسي لفئة أقل من 14 سنة رفيق بن عبيد، بعض التوجيهات التكتيكية لتعزيز تركيز اللاعبات واستعدادهن النفسي، وعند دخولهن القاعة، كانت الأجواء رائعة بكل المقاييس: قاعة كبيرة مجهزة، مكيفات تعمل بشكل ممتاز، حكام ومنظمون في أعلى مستوى. وخلال المباراة النهائية، أظهرت اللاعبات شخصية البطل، يقول المدرب رفيق بن عبيد: “في الشوط الثاني كنت واثقاً أننا سنتوج باللقب، فريقي كان قوياً بدنياً بفضل التحضير الجيد منذ بداية الموسم، وأيضاً بفضل خوضه لعدد كبير من المباريات التي زادت من خبرة اللاعبات وجاهزيتهن”، ويضيف: “بعد نهاية الشوط الأول بتفوقنا بفارق نقطتين، إن لم تخني الذاكرة، كنت أعلم أننا في الشوط الثاني سنفرض سيطرتنا على المباراة، وهذا ما حدث فعلاً حتى لحظة التتويج”، وبالفعل، أثمرت هذه الثقة جهداً كبيراً، ليتمكن الفريق من فرض سيطرته على الشوط الثاني، ويتوج باللقب الغالي.

 إرث يتجاوز الملاعب.. رسالة إلى المستقبل

يؤكد رئيس النادي السيد الياس بوعود، أن هذا اللقب يعني لهم الكثير، فقد تمكنوا من ترصيع اسم نادي أولاد عين الفوارة ضمن قائمة الفرق التي نالت شرف التتويج بكأس الجزائر وبطولة الجزائر لكرة اليد عبر الوطن، أما بالنسبة لولاية سطيف، فإن هذا التتويج يحمل طابعًا خاصًا، لأنه يُعتبر أول كأس جزائر في كرة اليد تزور عين الفوارة منذ الاستقلال، سواء عند الذكور أو الإناث، وعلى مستوى جميع الفئات، حيث أعرب عن ذلك قائلا “نحن فخورون بهذا الإنجاز التاريخي، ونؤكد أنه لن يكون الأخير، بل سيكون نقطة انطلاق لمزيد من النجاحات التي ترفع راية سطيف والجزائر عاليًا”. وأوضح رئيس النادي، أن طموحات النادي لا تتوقف عند هذا الحد قائلا: “نحن نؤمن أن دورنا لا يقتصر على الجانب الرياضي فقط، بل أيضًا على تكوين جيل صالح ومنظم في حياته اليومية، قادر على أن يكون في المستقبل من إطارات الدولة الجزائرية، وعلى الصعيد الرياضي، فإن أهداف النادي واضحة، الصعود إلى القسم الممتاز بفريق الأكابر سيدات، ومواصلة العمل القاعدي في التكوين لضمان ألقاب وكؤوس جديدة، وتوسيع حضور اللاعبات في المنتخبات الوطنية، وفي النهاية، يبقى الهدف الأسمى هو تكوين جيل صالح للمجتمع والوطن، جيل بطل في الرياضة وفاعل إيجابي في الحياة العامة”. يختتم بوعود رسالته للاعبات قائلاً: “رسالتنا هي أن يواصلن الإيمان بقدراتهن، وأن يتحلين دائمًا بالروح الرياضية والانضباط والأخلاق قبل كل شيء، لأن البطولة الحقيقية لا تُقاس فقط بالكؤوس والميداليات، بل أيضًا بالقيم التي نحملها ونتركها أينما ذهبنا، أما الإرث الذي نريده من هذا الجيل فهو أن يُسجل اسمهن في تاريخ كرة اليد الجزائرية على أنهن كنّ أول من رفع كأس الجزائر في سطيف منذ الاستقلال، وأن يكنّ قدوة للأجيال القادمة في العمل، والتضحية، والالتزام، نريد أن يعرف كل من يأتي بعدهن أن نادي أولاد عين الفوارة لم يكن مجرد فريق يلعب كرة اليد، بل كان مدرسة للتكوين، وصانعًا للأبطال، ومصنعًا للقيم التي تخدم الرياضة والمجتمع والوطن”.

حليمة.خ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى