
في إطار الجهود الرامية إلى تطوير قطاع الإعلام وتعزيز دوره الاستراتيجي في بناء الجزائر الجديدة، احتضنت مدينة وهران الملتقى الجهوي الأول للإعلاميين والفاعلين في مجال الاتصال، تحت رعاية وزير الاتصال، الدكتور محمد مزيان. وقد جاء هذا اللقاء كمنصة للحوار بين مختلف مكونات العائلة الإعلامية، بهدف تقييم التحديات ووضع آليات لتعزيز المهنية والموضوعية في الممارسة الصحفية.
وهران: مدينة التاريخ والإشعاع الثقافي
اختيرت وهران، عاصمة الغرب الجزائري، لاستضافة هذا الملتقى نظرًا لمكانتها التاريخية والثقافية البارزة. ففي كلمته الافتتاحية، أشاد الوزير مزيان بهذه المدينة العريقة، التي شهدت نضالات كبيرة ضد الاستعمار الإسباني، كما شكلت منارة للعلم والفكر والثقافة. وأكد أن وهران لم تكن مجرد مدينة عادية، بل كانت ولا تزال حاضنة للعديد من المدارس الفكرية والعلمية، خاصة في مجال الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، التي تُعد أدوات ضرورية لفهم المجتمع وتقديم محتوى إعلامي دقيق. لم يفت الوزير أن يذكر برموز الإعلام والثقافة الذين أسهموا في بناء الإعلام الجزائري، خاصة في منطقة وهران، حيث أشاد بدور الأستاذ محمد بغالي، المدير العام للتلفزيون الجزائري، والأستاذ عدناني، أول مدير للتلفزة الجهوية في وهران، والأستاذ بن عبو، مدير جريدة “لكوتيديان دوران”. كما استذكر الراحل الدكتور بوعلام بسايح، الذي وصفه بـ”عملاق الثقافة الجزائرية”، مشيرًا إلى إسهاماته الكبيرة في ترسيخ قيم الدقة والأمانة العلمية في العمل الإعلامي.
الإعلام الوطني: جبهة موحدة في مواجهة التحديات
أكد الدكتور مزيان أن الإعلام الوطني يجب أن يُنظر إليه كعائلة واحدة، بعيدًا عن التقسيمات بين إعلام حزبي أو حر أو عمومي أو خاص. وشدد على أن دور الإعلام اليوم أصبح أكثر حساسية في ظل التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه الجزائر، خاصة مع تزايد الحملات الإعلامية المشبوهة التي تستهدف استقرار البلاد. وأشار الوزير إلى أن بعض الإعلاميين يقعون في فخ الاعتماد على مصادر غير موثوقة، خاصة عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي غالبًا ما تروج لمضامين مضللة تمس بأمن البلاد وتماسك المجتمع. ودعا إلى ضرورة محاربة هذه الممارسات عبر التحقق من المعلومات واعتماد المهنية كمعيار أساسي.
رئيس الجمهورية والإعلام: رؤية إستراتيجية
استحضر الوزير تصريحات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، الذي أكد في أكثر من مناسبة أن “لا مستقبل للجزائر دون إعلام وطني محترف”. وأوضح أن حرية التعبير مكفولة بشرط أن تكون ضمن الأطر الدستورية والقانونية، وأن الإعلام عليه أن يكون شريكًا في بناء الدولة وليس أداة للتفكيك. كما أشاد الوزير بالجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لترقية قطاع الإعلام، سواء عبر تحسين الظروف المهنية للصحفيين أو دعم المؤسسات الإعلامية لتكون قادرة على مواكبة التحولات الرقمية.
التكوين المتواصل: ركيزة الإعلام الاحترافي
من بين المحاور الأساسية التي ركز عليها الوزير كان **دور التكوين** في الارتقاء بالممارسة الإعلامية. وأكد أن التحديات المعاصرة تتطلب صحفيين متخصصين وقادرين على فهم التعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مما يستدعي تقريب مراكز التكوين من المؤسسات الإعلامية، و تعزيز التخصص في المجالات الحيوية مثل التحقيق الاستقصائي والصحافة الرقمية، و كذا التركيز على أخلاقيات المهنة ومحاربة الإشاعات. وأشار إلى أن الوزارة تعمل على إطلاق برامج تكوينية بالشراكة مع الجامعات ومراكز البحث، لتأهيل جيل جديد من الإعلاميين القادرين على رفع التحديات.
السياق الإقليمي والدولي: الإعلام كأداة للدفاع عن المصالح الوطنية
و تطرق الوزير إلى الأهمية الاستراتيجية للإعلام في الدفاع عن مصالح الجزائر إقليميًا ودوليًا، خاصة في ظل الانتصارات الدبلوماسية المتلاحقة، مثل قمة أديسا أبابا، والتي أكدت مكانة الجزائر كفاعل رئيسي في القارة الأفريقية والعالم العربي. وأوضح أن الإعلام الوطني عليه أن يكون صورة تعكس إنجازات الجزائر في المجالات الاقتصادية والسياسية، وأن يساهم في مواجهة الحملات المغرضة.
مصطفى خليفاوي
تصوير: مكالي عبد الكريم