تحقيقات وروبورتاجات

الألعاب الإفريقية المدرسية … الجزائر تصنع الحدث و تتوج بلقب النسخة الأولى

في ليلة الثلاثاء 5 أوت 2025، أسدل الستار على حدث رياضي قاري استثنائي، حين أغلقت الجزائر صفحة النسخة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية، التي أقيمت على مدار تسعة أيام كاملة من 26 جويلية إلى 5 أوت، في أربع مدن هي عنابة، قسنطينة، سطيف وسكيكدة. هذا الموعد، الذي جمع نخبة المواهب المدرسية من مختلف أنحاء إفريقيا، لم يكن مجرد منافسة رياضية، بل تحول إلى مهرجان تضامن وتآخٍ قاري، وعرض لقدرة الجزائر على تنظيم أحداث كبرى بمعايير دولية.

حفل ختامي مهيب في عنابة

احتضن ملعب 19 ماي 1956 بعنابة الحفل الختامي الذي جاء في أجواء احتفالية مميزة، وسط حضور جماهيري معتبر ومشاركة شخصيات وقيادات رياضية بارزة. ترأس الحفل وزير الشباب والرياضة وليد صادي، إلى جانب ممثلي السلطات المحلية، ومسؤولي الهيئات الرياضية القارية، ورؤساء وفود الدول المشاركة. تنوعت فقرات الحفل بين عروض فنية تمزج بين التراث الجزائري والنَفَس الإفريقي، وبين تكريم الفرق المتوجة وتوزيع الميداليات، في مشهد لخص نجاح الدورة وروحها الأخوية.

إنجاز جزائري على صعيد النتائج

في نهاية المنافسات، تمكنت الجزائر من اعتلاء صدارة جدول الميداليات بفارق واضح عن منافسيها، بعدما حصد رياضيوها 245 ميدالية: 103 ذهبية، 80 فضية، 61 برونزية. هذا التفوق يعكس حجم الاستثمار في المواهب المدرسية المحلية، ويؤكد أن المدارس الجزائرية قادرة على تخريج أبطال قادرين على التألق قاريًا ودوليًا. جاءت مصر في المركز الثاني بمجموع 115 ميدالية منها 59 ذهبية، تلتها تونس في المرتبة الثالثة بـ155 ميدالية منها 34 ذهبية، في دليل على تفوق منطقة شمال إفريقيا في الرياضات المدرسية على مستوى القارة.

مشاركة إفريقية واسعة النطاق

شهدت الدورة مشاركة 1700 رياضي ورياضية من 47 دولة إفريقية، في رقم قياسي بالنظر إلى أنها النسخة الأولى من الألعاب. هذا الحضور يعكس ثقة الدول الإفريقية في قدرة الجزائر على تنظيم حدث رياضي قاري، ويبرز أيضًا الاهتمام المتزايد بتطوير الرياضة المدرسية كقاعدة أساسية لصناعة الأبطال. وقد تنافس المشاركون في عدة رياضات فردية وجماعية، من بينها ألعاب القوى، كرة القدم، كرة اليد، السباحة، الجمباز، وكرة السلة، ما منح للحدث تنوعًا فنيًا وجاذبية جماهيرية.

أبعاد دبلوماسية ورياضية

الحدث لم يكن رياضيًا بحتًا، بل كان أيضًا موعدًا دبلوماسيًا وثقافيًا بامتياز. فمن خلال استقبال وفود من مختلف دول القارة، عززت الجزائر حضورها كقوة رياضية ناعمة في إفريقيا، وقدمت نفسها كدولة قادرة على لمّ الشمل الإفريقي من خلال الرياضة. هذه الاستضافة أكدت كذلك استعداد الجزائر لقيادة مشاريع قارية كبرى، خصوصًا أن نجاح الدورة جاء في سياق اهتمام متزايد من الحكومة الجزائرية بالرياضة المدرسية كأداة للتربية والتنمية.

جمعية اللجان الوطنية الأولمبية الإفريقية تكرم الرئيس تبون

كرمت جمعية اللجان الوطنية الأولمبية الافريقية (أكنوا) رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون, بالميدالية الذهبية، نظير دعمه لإنجاح الطبعة الأولى للألعاب الافريقية المدرسية التي احتضنتها الجزائر وذلك في حفل ختام الدورة سهرة يوم الثلاثاء بملعب 19 ماي بعنابة. وتسلم التكريم, كل من وزير الرياضة السيد وليد صادي، ووزير التربية الوطنية السيد محمد صغير سعداوي ووزير الشباب، المكلف بالمجلس الاعلى للشباب السيد مصطفى حيداوي. وجاء تكريم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون من قبل جمعية اللجان الوطنية الاولمبية الافريقية نيابة عن الحركة الأولمبية الافريقية” نظير الدعم المقدم لإنجاح الطبعة الأولى، وقراره العودة الى الرياضة المدرسية لاكتشاف هذه الفئة مبكرا.” وبالمناسبة، يقدم مسؤولو الهيئة الافريقية خالص تشكراتهم وامتنانهم لرئيس الجمهورية على الاهتمام الذي اولاه لدعم المواهب الرياضية الافريقية الشابة، مشيرين الى ان الدورة “سمحت بإنشاء قاعدة متينة هنا بالجزائر لفائدتهم و من اجل مواصلة تكوينهم ومرافقتهم ليصبحوا نجوما متألقين تفتخر بهم افريقيا.”

شهادات وإشادات

أشاد السيد مصطفى بيراف، رئيس جمعية اللجان الوطنية الأولمبية الإفريقية، بنجاح الجزائر في “رفع التحدي”، مؤكداً أن الألعاب حظيت باعتراف إفريقي ودولي، كما وصفها بأنها منصة لاكتشاف مواهب شابة يجب دعمها وتكوينها. بدوره، قال نائب رئيس الجمعية، جواو ألفونسو، إن الجزائر “استضافت جموع المواهب الواعدة في أجواء مميزة”، معتبرًا أن الرسالة التي حملتها هذه الدورة واضحة: الرياضة المدرسية قادرة على توحيد إفريقيا.

رمزية المدن المستضيفة

اختيار أربع مدن (عنابة، قسنطينة، سطيف، سكيكدة) لاستضافة المنافسات لم يكن اعتباطيًا، بل حمل رسالة مفادها أن الرياضة ليست حكرًا على العاصمة أو المدن الكبرى فقط، بل يمكنها أن تصل إلى كل ربوع الوطن. هذا التوزيع الجغرافي سمح أيضًا بإشراك جماهير محلية متنوعة في الحدث، وفتح المجال أمام المدن لعرض إمكانياتها السياحية والثقافية أمام الضيوف الأفارقة.

البنية التحتية والتنظيم

اعتمدت الجزائر على منشآت رياضية عصرية، ملاعب مجهزة، ومرافق تدريبية متطورة، إضافة إلى تأمين شامل من قبل قوات الأمن والحماية المدنية، ما ساهم في إنجاح الدورة على الصعيد التنظيمي. كما لعبت الفرق الطبية دورًا بارزًا في مرافقة الرياضيين وضمان سلامتهم، وهو ما حظي بإشادة الوفود المشاركة.

الرياضة المدرسية… مصنع الأبطال

أظهرت هذه الدورة أهمية الاستثمار في الرياضة المدرسية، باعتبارها اللبنة الأولى في بناء رياضيين محترفين مستقبلاً. النجاح الجزائري في جمع هذا العدد من الرياضيين من مختلف أنحاء القارة في بيئة تنافسية إيجابية يثبت أن الرياضة المدرسية ليست مجرد نشاط موازٍ للتعليم، بل هي مدرسة للحياة والانضباط والاحتراف.

آفاق مستقبلية

أعلنت جمعية اللجان الوطنية الأولمبية الإفريقية أن النسخة الثانية ستقام في نيجيريا عام 2027، على أن تستضيف كينيا نسخة 2029. ورغم انتقال المشعل، فإن بصمة الجزائر ستظل راسخة في تاريخ هذه الألعاب، كونها صاحبة التجربة التأسيسية التي أرست المعايير التنظيمية للنسخ المقبلة. بنجاحها الباهر في تنظيم النسخة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية، أثبتت الجزائر قدرتها على الجمع بين التفوق التنظيمي والرياضي، وعلى أن تكون نموذجًا في الاستثمار في الأجيال الصاعدة. هذا النجاح لا يمثل فخرًا للجزائر فقط، بل هو مكسب للرياضة المدرسية الإفريقية بأكملها، وخطوة أولى نحو مستقبل تزدهر فيه المواهب الشابة على المستويين القاري والعالمي.

مصطفى خليفاوي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى