تحقيقات وروبورتاجات

الرباط الصليبي… لعنة الإصابات التي ضربت نجوم “الخضر” في محطات حاسمة

في عالم كرة القدم، لا شيء يُرعب اللاعب أكثر من سماع كلمة “الرباط الصليبي”. إصابة لا تشبه غيرها، لا لأنها تُبعد المصاب لأشهر طويلة فحسب، بل لأنها تهدّد مستقبله الرياضي، وتضع مسيرته على المحكّ في لحظة خاطفة قد لا تتجاوز ثوانٍ. وبينما يراهن الجمهور على جاهزية نجومه قبل البطولات الكبرى، يتسلّل هذا “العدوّ الصامت” إلى الركب فيسقط لاعبين في أهم محطاتهم، ويغيّر مسار فرق ومنتخبات بأكملها. المنتخب الوطني يعرف جيدًا هذا الألم؛ فقد ودّع عبر السنوات عددًا من أبرز عناصره بسبب هذه الإصابة القاسية.

وبين الأمس واليوم، يستعيد الجمهور قصص بزاز وغلام وفارس وقديورة وعودية، قبل أن يتلقّى صدمة جديدة بإصابة النجم يوسف بلايلي، الذي وجد نفسه خارج الملاعب بعد أن أكّدت الفحوصات إصابته بقطع في الرباط الصليبي، يرافقه تضرّر الغضروف الهلالي، في واحدة من أصعب الضربات التي قد يتلقاها لاعب في هذا السنّ والمسار. ولأن الرياضيين ليسوا مجرّد أسماء فوق العشب، بل قصص وذكريات ومسارات إنسانية، يأتي هذا الروبورتاج ليعيد قراءة “ملف الرباط الصليبي” من زوايا متعددة: طبيًا، نفسيا، تاريخيًا، ومسيريًا… مع إضاءة خاصة على أبرز الإصابات التي طالت نجوم المنتخب الوطني عبر السنوات.

إصابة يوسف بلايلي… ضربة مزدوجة في توقيت قاتل

تلقّى يوسف بلايلي صدمة لم يكن ينتظرها، بعد أن أكدت الفحوصات الطبية إصابته بتمزّق في الرباط الصليبي مرفوقًا بتضرّر الغضروف الهلالي، خلال مباراة الترجي التونسي أمام النادي الإفريقي. إصابة من هذا النوع لا تعني فقط نهاية الموسم، بل بداية رحلة طويلة ومعقدة في العلاج والتأهيل، قد تمتد بين 9 و12 شهراً. تداعيات الإصابة جاءت ثقيلة: اللاعب سيغيب رسميًا عن كأس أمم إفريقيا بالمغرب، وعن كأس العرب في قطر، فيما سيكون على الطاقمين الفني والطبي للمنتخب الوطني إعادة حساباتهما في ظلّ غياب أحد أهم عناصر التوازن الهجومي.

الأخطر أن وجود تضرّر في الغضروف يجعل مرحلة إعادة التأهيل أكثر حساسية، حيث يُمنع اللاعب من الضغط مبكرًا على المفصل، ما يطيل فترة الشفاء ويزيد من صعوبة العودة إلى مستواه الحقيقي. ومع تقدّم السنوات، تصبح إصابات الركبة أكثر تعقيدًا للاعبين الذين يعتمدون على السرعة والمراوغة مثل بلايلي، وهو ما يجعل رحلة العودة تتطلب صبراً، التزاماً، وبرنامجاً طبياً صارماً لضمان استرجاع القدرات البدنية والمهارية التي جعلته أحد أهم نجوم الكرة الوطنية في العقد الأخير.

 ياسين بزاز… إصابة أنهت حلم المونديال

في كأس أمم إفريقيا 2010، وبينما كان المنتخب الوطني يسير بثبات نحو التأهل لنصف النهائي، تلقّى ياسين بزاز ضربة قاسية أمام مالي بعد تدخل عنيف من محمدو ديارا. الحكم لم يشهر البطاقة الحمراء، لكن الركبة لم تسامح اللاعب، إذ تبيّن لاحقًا إصابته بتمزّق في الأربطة الصليبية. لم تكن الإصابة مجرد غياب لأسابيع؛ لقد كانت صفعة أنهت حلمًا امتد لسنوات: المشاركة في مونديال جنوب أفريقيا. الخسارة لم تكن بدنية فقط، بل نفسية أيضاً، خاصة وأن بزاز كان يعيش إحدى أفضل فترات مسيرته، قبل أن تتوقف رحلته بسبب إصابة واحدة غيرت كل شيء.

محمد الأمين عودية… سقوط في اللحظة الخطأ

في فيفري 2014، وبينما كان محمد الأمين عودية يطمح لخوض المونديال البرازيلي، جاءت إصابة الرباط الصليبي مع نادي دينامو دريسدن لتنسف أحلامه كلها. توقيت الإصابة كان أكثر ما آلم اللاعب، فقد جاء في موسم كان يسعى فيه لإثبات ذاته مجددًا بعد حضوره في كأس إفريقيا 2013. لكن الرباط الصليبي لم يترك له مساحة للمناورة؛ 6 أشهر خارج الميدان، وبرنامج تأهيل طويل، ليجد اللاعب نفسه خارج حسابات المنتخب، ويفقد فرصة مونديالية كانت الأقرب في مسيرته.

محمد فارس… ضربة بعد البطولة الإفريقية

بعد أسابيع قليلة من رفع المنتخب الوطني كأس أمم إفريقيا 2019، تلقّى محمد فارس واحدة من أصعب الإصابات خلال التحضيرات الصيفية مع نادي سبال الإيطالي. إصابة جاءت في وقت كان فيه اللاعب يرسّخ مكانته كواحد من أفضل الأظهرة الجزائرية في أوروبا. الابتعاد لعدة أشهر أربك مساره الاحترافي، خاصة أن الظهير الأيسر يعتمد على قوة الاندفاع وسرعة الارتداد. عانى فارس طويلاً للعودة إلى نسق المباريات، بين العلاج والانتقال من نادٍ لآخر، في محاولة لاسترجاع بريقه قبل الإصابة.

فوزي غلام… الضربة التي بدّدت مسيرة عالمية

في نوفمبر 2017، وخلال مباراة نابولي أمام مانشستر سيتي في رابطة الأبطال، تعرّض فوزي غلام لواحدة من أقسى الإصابات في مسيرته. اللاعب كان حينها يصنف كأحد أفضل الأظهرة اليسرى في أوروبا. لكن الركبة اختارت توقيتًا له أثر مدوّي. الرباط الصليبي، ثم إصابات متتالية لاحقًا، جعلت عودته إلى القمة شبه مستحيلة. الخبراء أجمعوا أن غلام فقد بسبب تلك الإصابة مسارًا كان يقوده نحو العالمية، بعد مستويات استثنائية مع نابولي.

عدلان قديورة… الإصابة التي أوقفت “المحارب”

قوة بدنية، حضور قتالي، تجارب عالمية… عدلان قديورة كان رمزًا للاعب العصري قبل سقوطه في فخ الرباط الصليبي سنة 2020 عندما كان في صفوف الغرافة القطري. إصابة لم تكن سهلة، خاصة وأن اللاعب كان قد تجاوز الثلاثين، ما جعل عملية التعافي أطول وأكثر تعقيدًا. قديورة عاد لاحقًا إلى الملاعب، لكن تأثير الإصابة بقي واضحًا، خصوصًا في حجم الاندفاع والسرعة التي كان يتميز بها.

عبد الرحمن دغموم :”الرباط الصليبي سبب تألقي..”

عبّر المهاجم الجزائري ، عبد الرحيم دغموم، لاعب نادي المصري البورسعيدي، عن سعادته الكبيرة باللعب في صفوف الفريق، مؤكدا أنه يشعر براحة كبيرة داخل النادي ومع زملائه. وأوضح دغموم، في تصريحاته لقناة “أون سبورت”، أن تألقه الأخير يعود إلى العمل التدريجي الذي قام به بعد تعافيه من الإصابة التي تعرض لها العام الماضي، والتي كانت سببا في ابتعاده عن الملاعب لفترة طويلة. وأضاف نجم المصري أنه تعافى تماما من إصابة الرباط الصليبي منذ نحو عام، وهو ما منحه دافعا قويا للعودة بشكل أفضل، مشيرا إلى أن مرحلة التأهيل والعودة التدريجية إلى المنافسة ساعدت كثيرا في استعادة مستواه المعروف، ليقدم الأداء الذي يقدّره جمهور الفريق حاليا.

الإعداد البدني… الوقاية قبل العلاج

الوقاية هي الحل الوحيد أمام الرباط الصليبي. تقوية عضلات الفخذ والسمانة، تحسين المرونة، وبرامج التوازن الحركي، كلها عناصر أساسية لتقليل المخاطر. المنتخبات والفرق الكبرى باتت تعتمد مختصين في “الميكانيكا الحيوية” لتحليل حركة اللاعب وتوقع نقاط الضعف قبل وقوع الكارثة.

التطور الطبي… أمل اللاعبين في العودة

العلاج اليوم لم يعد كما كان قبل عشر سنوات. الجراحة بالمنظار، بدائل الأربطة الصناعية، غرف التجميد، تقنيات التحفيز الكهربائي، والتحليل الرقمي لحركة الركبة… كلها جعلت فترة التعافي أقصر وأكثر جودة. لكن النجاح يبقى رهينًا بعاملين: الالتزام، والبرنامج الاستشفائي الصحيح.

مصطفى خليفاوي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى