ساعد العياشي.. أيقونة الجيدو في المحمدية
في قلب المحمدية، وتحديدًا يوم 27 جويلية 1959، وُلد رجل سيخلد اسمه في ذاكرة رياضة الجيدو الجزائرية، رجلٌ لم يكن يعرف وهو يخطو أولى خطواته على البساط في الفاتح من جوان 1968، أن القدر يكتب له مسيرة مبهرة امتدت لأكثر من نصف قرن، بين نزال وتدريب، بين إنجازات فردية وأخرى جماعية، بين التزام صارم وشغف لا ينطفئ. إنه ساعد العياشي، الحزام الأسود من الدرجة السادسة، والمثال الصارخ على أن الإرادة لا تقهر.
طفولة مبكرة وموهبة نادرة
بدأت رحلة العياشي مع رياضة الجيدو في سن التاسعة، وتحديدًا عام 1968، حين اكتشف عالمًا جديدًا من الانضباط والفلسفة اليابانية، وجد فيهما انعكاسًا لتربيته وقيمه. تتلمذ على يد ثلاثة من أعمدة الجيدو الجزائري، المرحوم مينيا حسين، أحد مدربي الفريق الوطني، والمرحوم يحيا بوقطاية، والمرحوم عبد الكريم، والذين غرسوا فيه المبادئ الأولى للجيدو، تقنيًا وأخلاقيًا.
مسيرة رياضية مليئة بالألقاب والميداليات
أول تتويج وطني له كان سنة 1974، حيث تُوج بطلاً للجزائر في فئة الأشبال، ليبدأ بعدها في حصد الألقاب تواليًا. في سنة 1976، حقق ميدالية برونزية في الألعاب الوطنية، وكرر الإنجاز سنة 1978 مع برونزية أخرى في فئة الأواسط.وفي مطلع الثمانينات، بزغ نجم العياشي أكثر فأكثر حين تُوج بميداليتين ذهبيتين في البطولة العسكرية سنوات 1981 و1982، ليواصل تألقه كنائب بطل الجزائر في فئة الأكابر عام 1984، كما فاز بميداليتين برونزيتين للفرق (1983 في عنابة و1986 في تيزي وزو).أما على الصعيد الدولي، فقد شارك في أبرز الدورات الأوروبية،دورة باريس للفرق 1979 (المرتبة الثانية)،دورة مودينا الإيطالية 1979،دورة ماتس الفرنسية 1980،دورة روما الإيطالية 1981.كما شارك في البطولة العالمية بالنمسا 1980، والتي مثل فيها الجزائر ضمن فئة الفردي، حيث كانت مشاركته مفخرة وطنية.كما كان عضوًا رسميًا في الفريق الوطني المدني والعسكري من 1974 إلى 1984، أي عقدًا كاملًا من العطاء على أعلى المستويات.
الكاتا.. عودة البطل إلى البساط
رغم تقدمه في السن، لم تنته رحلة البساط بالنسبة للعياشي. فقد عاد في السنوات الأخيرة ليخوض غمار بطولات الكاتا (كودوكان غوشين جيتسو)، وهي صنف يتطلب دقة فائقة وتناسقًا تامًا.حيث تحصل سنة 2016 المرتبة الأولى في البطولة الوطنية و سنة 2018 على المرتبة الثانية و في سنة 2020 بباتنة حقق المرتبة الثالثة.ليؤكد أنه لا يزال رقماً صعباً في فنون الجيدو، وأن البساط لا يعترف بالعمر، بل بالعطاء والالتزام.
من بطل إلى مدرب صانع الأبطال
عقب اعتزاله الرسمي، لم يبتعد العياشي عن رياضته الأم، بل اختار طريق التكوين والتأطير، حيث اشتغل كمدرب وطني من الدرجة الأولى، وقاد العديد من المواهب نحو منصات التتويج.أشرف على إعداد أبطال حصدوا 26 ميدالية ذهبية،23 ميدالية فضية و34 ميدالية برونزية.أبرز محطاته كمدرب حقق الميدالية البرونزية في ألعاب باريس للأشبال 1992،الميدالية الفضية في الدورة الدولية بوهران 1989،البطولة العالمية المدرسية مع بن عومر وهيبة (المرتبة السابعة عام 1990) والمرتبة الخامسة للمصارع بن سيد عبد القادر عام 1991.كما كان حاضرًا في العديد من دورات تمرير الأحزمة “Passage de grade”، من بينها مشاركته بالعاصمة في المرور للدرجة الثالثة، إلى جانب المرحوم شيخ منور يعقوب، ما يبرز تاريخه كمكون وخبير معتمد.
رجل المبادئ والرسالة الرياضية
لا يمكن الحديث عن ساعد العياشي دون الإشادة بأخلاقه الرفيعة، والتزامه الدائم بخدمة الجيدو، ليس فقط كبطل، بل كمُربٍّ ومُوجّه. لم يكن التكوين عنده مجرد تدريب، بل كان مشروعًا متكاملًا يهدف إلى زرع القيم والانضباط في نفوس الرياضيين الشباب.ساعد العياشي ليس مجرد اسم في سجلات الجيدو الجزائري، بل هو تاريخ حي، وسجل من الإنجازات، ومرجع لكل من أراد فهم معنى الوفاء للرياضة. من لاعب صغير في المحمدية إلى ممثل للوطن في المحافل العالمية، ومن بطل فوق البساط إلى مدرب صانع للأبطال،يبقى العياشي رمزًا من رموز الجيدو في الجزائر، يُستحق أن يُكرَّم ويُحتفى به، لأنه ببساطة رجل نذر حياته للرياضة، فبادلته الرياضة المجد والخلود.
سنينة. م



