فيروس كورونا فرض منطقا جديدا في كرة القدم الجزائرية … الشبان يفرضون منطقهم في بطولة المحترف الأول
كبحت جائحة كورونا تطور وتقدم كل القطاعات في الجزائر على غرار كل بلدان العالم، لكنها بالمقابل ساهمت في بروز لاعبين شباب في لعبة كرة القدم، تمت ترقيتهم لا لمستواهم الباهر وأدائهم فوق الميدان، بل بسبب ما فرضه الفيروس التاجي من تراجع لمصادر الأموال وغياب الرجل الثاني عشر فوق المدرجات، وهو ما جعل أكبر أندية النخبة تعتمد على أبناء مدارسها التكوينية، بعدما كانوا بالأمس القريب يتخوفون من ردة فعل أنصارهم.
أضحى اعتماد الفرق الجزائرية على لاعبين شباب في الموسم الكروي (2020 – 2021)، موضة وسنّة حميدة، أعادت نشوة الكرة إلى ملاعبنا، وهو ما جعل فرق النخبة تتسارع لترقية عدد كبير من اللاعبين لفئة أقل من 20 سنة، وتسير على خطى نادي بارادو الفريق الجزائري الوحيد الذي يعتمد على خريجي مدرسته التكوينية، ويرقي كل موسم عشر لاعبين على الأقل، مشكلين فريقا تنافسيا بمعدل عمر لا يتجاوز 23 سنة للموسم الرابع على التوالي بالمحترف الأول. سياسة ناجحة بلغوا بها الموسم المنصرم دور المجموعات من منافسة كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وتمكنوا من إقصاء فرق بتقاليد عريقة في المنافسات القارية على غرار النادي الصفاقسي التونسي، كما أطاحوا بفرق كبيرة يتقدمهم إينيمبا النيجيري وأغادير المغربي. هذا، وكان فريق وفاق سطيف السباق إلى الاعتماد على سياسة ترقية الشباب الموسم المنصرم رفقة اتحاد العاصمة الذي يملك دائما خزانا من اللاعبين المميزين في الأصناف الدنيا. خطة الوفاق لم تكن سياسة فريق أو مشروع رياضي بل حتمية واجهت المكتب المسير بقيادة الرئيس فهد حلفاية الذي لجأ إلى ترقية الشباب بدل انتداب لاعبين كبار للتنافس على الألقاب مثلما جرت عليه العادة، وذلك بسبب الأزمة المادية الخانقة التي كان يتخبط فيها الفريق بعد الزج بالرئيس الأسبق حسان حمار وراء القضبان.
ومثلما يقول المثل «رب ضارة نافعة»، تحوّل المشروع الحتمي للوفاق إلى مشروع رياضي يقوده المدرب التونسي نبيل الكوكي الذي منذ تقلده مهام العارضة الفنية لأصحاب الزي الأسود والأبيض الموسم المنصرم، أعاد الفريق إلى السكة الصحيحة وأعطى الثقة في الشباب الذين بدورهم ردوا جميل مدربهم، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من التتويج باللقب الموسم المنصرم لولا جائحة كورونا التي أوقفت المنافسة، وتم منح لقبها في الأخير إلى شباب بلوزداد قبل ثمان جولات كاملة عن نهاية الموسم.
بوصوف عبّد الطريق لشبان الوفاق
خسر الوفاق اللقب لكنه تمكن من بيع ورقة تسريح لاعبه المتألق إسحاق بوصوف بقرابة المليون يورو إلى “سيتي غروب فوتبول” المجمع المالك لفريق مانشيستر سيتي الذي يسيّر سبع أندية عبر العالم بينها فرق من أوروبا وآسيا وأمريكا وأستراليا، كل لاعبيها مرشحين لحمل قميص السيتيزنس، عملية لم تتوقف عند بيع عقد بوصوف بل تطورت إلى عقد شراكة بين المجمع والوفاق لتسويق لاعبين جدد بداية من الموسم الجاري. قيمة تسويق بوصوف سمحت بتسديد ديون الفريق وأنعشت خزينة الفريق، كما أن عقد الشراكة مع “سيتي غروب فوتبول” جعل الكوكي يواصل في منح الفرصة للشباب بتشكيل خط هجوم ووسط ميدان الفريق بغالبية لاعبي أقل من 20 و23 سنة، يتقدمهم هدافا الفريق عمورة وقندوسي صاحبي العشرين والواحد وعشرين ربيعا على التوالي، اللذان وبعد تألقهما محليا في مباريات الرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم، تمكنا من البروز في أول لقاء للنسر السطايفي بالقارة السمراء، حيث قلبا نتيجة المواجهة بعد دخولهما أرضية الميدان، وتمكنا من اهداء الفوز للوفاق ضد العملاق الغاني أشانتي كوتوكو بهدفين لواحد، وهو الأمر الذي رفع أسهمهما أكثر وسيساهم في احترافهما سريعا إلى القارة العجوز بداية من الموسم المقبل. كما برز لاعبون شباب آخرون على غرار قائد منتخب أقل من 20 سنة، منصف بقرار الذي سجل أول أهدافه بألوان الأكابر ضد مولودية وهران، والثنائي عبد الرحيم دغموم ويوسف دالي صاحبي 22 عاما الذين يصنعون أفراح الجمهور السطايفي.
شبان تحولوا إلى ركائز في شباب بلوزداد
تألّق بوصوف دفع فرقا أخرى للتفكير في ترقية لاعبي الفئات الدنيا، يتقدمهم فريق شباب بلوزداد بقيادة المدرب الفرنسي ألكسندر دوما، الذي قام هو الآخر بترقية الثنائي ميريزيق وبلخير اللذان لم يتجاوز سنهما 19 عاما، أين تمكن الأول من حجز مكانته الأساسية بسبب كثرة المصابين في خط الوسط، فيما تمنح الفرصة في كل مناسبة للمهاجم بلخير الذي أبهر الجميع بمستواه، دوما سار هو الآخر على نهج الكوكي وقبله عبد القادر عمراني الذي قام بترقية الثلاثي (بوسليو، حايس، بشو) موسم (2018 – 2019) الذين أضحوا اليوم من بين ركائز الفريق الذي يقوده.
بشير بلومي على خطى والده
لاعب آخر يصنع الفرجة في نادي مولودية وهران، يتعلّق الأمر بالجناح الأيمن محمد البشير بلومي نجل الأسطورة لخضر صاحب 18 سنة، الذي بات يشارك بانتظام في مباريات الفريق ، أثبت خلالها أنه لاعب مميز خصوصا في المواجهة الأخيرة ضد اتحاد بسكرة، أين قدم تمريرة الهدف الخامس واختتم مهرجان الأهداف في المواجهة التي فاز بها الحمراوة بسداسية نظيفة في ظرف 17 دقيقة، تألق قد يجعل المدرب الجديد خير الدين ماضوي ينصبه أساسيا بداية من المواجهة المقبلة ضد شباب قسنطينة، للعمل على تفجير طاقاته أكثر ومساعدته على البروز لنيل أول عقد احترافي في مسيرته الكروية. هذا، وينتظر كل عشاق الساحرة المستديرة في الجزائر بروز السريع فريفر مع مولودية وهران أكثر، والأنيق بن قرينة مع جمعية الشلف، وهدافي الرديف الموسم المنصرم لفريق مولودية الجزائر وإتحاد العاصمة رحماني ولوانشي على التوالي، وكذا المدافع آدم عليلات الذي يؤدي في بداية موسم موفقة مع أبناء سوسطارة.
فيروس كورونا فرض منطقا جديدا في كرة القدم الجزائرية، بترقية اللاعبين الشباب بسبب نقص الأموال، عملية امتعض منها الجمهور الذي يبحث دائما عن جلب أفضل اللاعبين في البطولة خلال فترة التحويلات الصيفية أو الشتوية للتنافس على الألقاب، لكن بعدما أصبح اسم (عمورة، قندوسي، بلومي وبلخير) على كل لسان، أضحت كل الفرق التي لم تسجل نتائج جيدة منذ انطلاق الموسم تضغط على إدارة فرقها لترقية أفضل لاعبي الرديف، وهو الأمر الذي سيعود بالفائدة على كرة القدم الجزائرية والمنتخب الوطني الجزائري.
سنينة مختار