في ظل تراجع البطولة للمركز 76 عالميًا و7 عربيًا … بطولةٌ لم تأخذ من الإحتراف إلّا التسمية، فما السبيل لبلوغ مستوى البطولات العربية؟
رغم مرور أكثر من عشر سنوات عن تطبيق نظام الإحتراف في الجزائر ، إلّا أن البطولة الوطنية لم تأخذ من ذلك إلا التسمية فقط، و عجزت عن بلوغ المستوى العالي على الأقل عربيًا ،ذلك ما أكده التصنيف الأخير للإحصائيات عندما وضع البطولة الجزائرية في المركز 76 عالميا والسابع عربيًا بفارق كبير في النقاط و الترتيب عن باقي البطولات العربية خلف كل من مصر ،السعودية ،الإمارات ،المغرب ،تونس ،قطر هذه الأخير جاءت في المركز 56 فيما جاء الدوري المصري في المرتبة 15 عالميًا وهو ما يعكس فارق المستوى الكبير على جميع الأصعدة.
ماذا قدمت الشركات التي أنشأت للفرق!
وبعيدًا عن غياب الهياكل القاعدية والإنجازات الجديدة و كذا الملاعب التي تسمح للفرق بإجراء التدريبات دون البحث عن مكان لذلك ،و الحديث هنا عن الأكابر فقط ،أما الأصناف الصغرى فحدث و لا حرج ،في وقت تلعب أكبر الفرق الجزائرية في صورة وفاق سطيف وشبيبة القبائل ،شباب بلوزداد ،مولودية الجزائر على “الطارطون” إن وجد طبعا ما يجعل المقارنة بالأندية العربية الكبيرة ظالمة، وهي التي تقام مبارياتها في ملاعب من الطراز العالي والعالمي ،الحديث عن الاحتراف يجرنا للحديث عن المسيرين أيضا وحتى الشركات التي أنشأت، لا أحد فهم مغزاها ولا العبرة منها وإن كانت فعلا ستمنع النوادي من مد أيديها والتسول أمام أبواب السلطات العمومية، لأن رؤساء الفرق لا يمكنهم الكف عن هذه العادة التي يتبعونها منذ أمد بعيد سيما و أن إصرارهم على التمسك بمناصبهم كان من أجل ذلك و فقط.
لا ملاعب ولا هياكل قاعدية وهذا هو حال أغلب الأندية
الترتيب يعتبر منطقيا لأن كرة القدم الجزائرية أو بالأحرى البطولة الوطنية التي دخلت عالم الاحتراف على الورق منذ سنوات طويلة، لكن مشروعها لم ير الضوء بالنظر إلى الظروف التي تحيط بهذا المشروع الذي سمعنا عنه الكثير بالنظر للأرقام التي تتداول من هنا وهناك فيما يخص الأموال والمساعدات التي ستقدم للأندية .ولعل السؤال الذي يتبادر إلى أذهان متتبعي شؤون كرة القدم المحلية هو قضية الملاعب والتي تعد أحد مقومات نجاح أي بطولة محترفة في العالم، فلا يعقل أن نواصل الاحتراف بلا هياكل قاعدية وكيف لنا أن نشهد عهد الاحتراف بملاعب لا تصلح إلا لأن تكون ملاعب لأندية هاوية ومنها ما يصلح لا حتى لمنافسات ما بين الأحياء. فإذا تحدثنا مثلا عن ملاعب الأندية الجزائرية التي تنشط هذه البطولة (المحترفة) فإننا سنتحدث عن ملعب 20 أوت الخاص بنادي شباب بلوزداد أحد أعرق الأندية والأكثر شعبية في الجزائر، بالإضافة إلى ملعب “تيزي وزو” معقل الكناري و ” عمر حمادي” ملعب اتحاد العاصمة والأدهى والأمر أن هناك أندية كبيرة لا تملك ملعبا خاصا بها على غرار نادي مولودية الجزائر عميد الأندية الجزائرية والأكثر شعبية على المستوى المحلي والذي لا يملك ملعبا خاصا به، ذلك ما يجعل التصنيف 76 عالميا و السابع عربيا أمرًا منطقيًا فالملاعب تعد مطلبا أساسيا من أجل السير على خطى الأندية الكبيرة التي ذاع صيتها في عالم الكرة المستديرة.
صراع متواصل بين الشركة والهاوي في أغلب الفرق
الحديث عن تراجع البطولة الوطنية في التصنيف مقارنة بالبطولات العربية الأخرى ،يجرنا للإشارة لنقطة أخرى كانت من بين الأسباب التي كبحت فرامل تقدم بطولتنا ،تلك المتعلقة بالصراع المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات بين الشركات التي أسست والأندية الهاوية و الحال ينطبق على جميع الفرق دون استثناء ،فلا مسؤولو الشركة اهتموا بحال الفريق الأول و حاولوا إيجاد مصادر للتمويل عوض انتظار مساعدات السلطات المحلية، و لا مسؤولو النادي الهاوي طوروا مستور الفئات الشبانية في فرقهم ودعموا المنتخب الوطني بلاعبين يرفعون الراية الوطنية في المنافسات القارية، فالناظر لحال جميع الفرق يرى أن الصراع قائم بين مسؤولي الشركات و الأندية الهاوية على الأسهم و فقط ،أسهم لا تسمن و لا تغني من جوع بما أن الفرق الوطنية تقف تحت رحمة السلطات المحلية طوال الموسم.
بطولة اللاإستقرار، رقم قياسي في إقالات واستقالات المدربين والحصيلة مرشحة للارتفاع
تعددت الأسباب و المركز 76 عالميا و السابع عربيا منطقي لأبعد الحدود ،فلا يمكن تحسين مستوى البطولة الوطنية و الإستقرار غائب على مستوى هذه الفرق التي طالت فيها مقصلة الإقالة و الإستقالة ،أكثر من 12 مدربًا في تسع جولات فقط رقم يمكن أن ننتظر موسما بأكمله لنبلغه في البطولات العربية المجاورة ،كلها أمور صعبت من تألق أنديتنا على المستوى القاري و صار المتتبعون يهللون لوصول الأندية لدور المجموعات فقط، في وقت يلعب جيراننا من أجل التتويج القاري و لكم أن تتخيلوا أن آخر تتويج لنادي جزائري في منافسة قارية كان منذ سبع سنوات لما توج وفاق سطيف برابطة أبطال إفريقيا سنة 2014 ، فسبع سنوات عجاف عن التتويج القاري لا يمكن لها سوى أن تضع ترتيبنا في المركز 76 .
تصريحات
بن محمد قادة (لاعب سابق ومناجير حالي):”نحن بحاجة لتغيير الذهنيات حتى تتطور بطولتنا “
يقول اللاعب السابق لسريع غليزان و المناجير الحالي قادة بن محمد، بأن الأمر المؤسف في المواسم الماضية للبطولة إلى جانب مستوى الفرق المتوسط هي تلك المشاهد التي كانت المدرجات مسرحا لها وتعبر عن الغضب الجماهيري: “بداية هذا الموسم لم تختلف عن سابقاتها في كل شيء تقريبا باستثناء الغياب الجماهيري الذي فتح المجال لبعض الممارسات الأخرى فالمردود لم يرق إلى المستوى المطلوب باستثناء بعض اللقاءات وهو لذلك فالأمر طبيعي أن تتراجع البطولة الوطنية في التصنيف العالمي مقارنة بالبطولات العربية التي تعيش نفس الظروف لكنها تعمل على التطور من موسم لآخر ،لكن نحن و للأسف لم نتقدم للأمام فنفس الممارسات مستمرة منذ سنوات “.
بلعربي محمد (تقني سامي في الرياضة):” لا أتفق مع تسمية البطولة بالمحترفة لأن الواقع شيء آخر “
وتحدث التقني السامي في مجال الرياضة وكرة القدم على وجه الخصوص محمد بلعربي قائلا: “ما زلنا في بداية الطريق رغم أننا نسمي بطولتنا بالمحترفة وهذا أمر لا أتفق معه إطلاقا فلحد الآن كل ما قامت به الرابطة هو وضع دفتر شروط وكفى، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الاحتراف في الميادين”. وحسب بلعربي فإن “دفتر الشروط المذكور ألزم النوادي بتأسيس شركات وهذا شيء جميل لكن لا ينبغي أن يتوقف الأمر عند هذا الحد لأن الاحتراف يشمل مختلف المجالات المتعلقة بالنوادي، خاصة تلك المتعلقة بمدارس التكوين وعلينا أن نفكر في خلق مشتلة للاعبين، وهو العمل القاعدي الذي يحتاجه كل نادي والإحتراف يمس كذلك المسيرين وكل الطواقم المشرفة على الفريق كالطاقم الفني والطبي والإداري، والتي ينبغي أن تعمل كلها بذهنية محترفة ويجب أن يتم هيكلة النادي بمناصب عمل كتلك الموجودة في المؤسسات الاقتصادية”.
عمار أوكيسلي (صحفي بالقناة الإذاعية الثانية):” المشاكل التي تعيشها البطولة تعكس التصنيف الحالي”
كشف عمار أوكيسلي الصحفي بالقناة الإذاعية الثانية أنه لم يلاحظ أي ملامح توحي بأن كرة القدم الجزائرية تتطور بعدما دخلت عالم الاحتراف ميدانيا حيث قال:” أعتقد أنه لا يوجد أي فرق بين الموسم الحالي والمواسم الماضية، ميدانيا لم يحدث أي تغيير ولا شيء يوحي أننا دخلنا عالم الاحتراف، العديد من الفرق لا زالت تعاني من المشاكل المادية والسلطات العليا لم توف بوعودها ولم تساند الأندية، لذلك لا زلنا نعيش في عالم الهواة”. وأضاف أوكيسلي أن تطور البطولة في الجزائر يتطلب المزيد من الوقت ويستوجب وجود إرادة قوية من قبل جميع الهيئات المعنية بكرة القدم وبالرياضة بصفة عامة، حيث قال: “لا يمكن للبطولة أن تتطور بهذه الطريقة، مشروع من هذا الحجم يتطلب وجود إرادة حقيقية من طرف جميع الهيئات المعنية، على الوزارة مساعدة الفرق وعلى الأندية أن تتحلى بالمسؤولية اتجاه الوزارة، وكل هذه السمات غائبة تماما في بداية الموسم الحالي “.
أحمد صغير (حكم دولي سابق):”نحن نملك فرقًا و ليس أندية و البحث عن التطور ينطلق من الهياكل القاعدية”
كما كشف الحكم الدولي السابق أحمد صغير أنه لم يتفاجأ للترتيب الذي تحتله البطولة الوطنية بالنظر للعديد من المعطيات و العوامل التي تجعل هذ التصنيف منطقيا ،خصوصا إذا ما تمت المقارنة بنوادي عربية فقط سيما وأنه أدار العديد من اللقاءات في البلدان المجاورة و اكتشف عن قرب الهياكل القاعدية و البنية التحتية لهذه الأندية حيث قال :” لا يمكن لنا تسمية الفرق الجزائرية بالنوادي لأن الأندية توجد في مصر و تونس على غرار الأهلي ،الزمالك و الترجي وهي التي تملك بنية تحتية ،هياكل قاعدية و حتى ميزانية مالية كبيرة جدا جنتها من التخطيط لسنوات كبيرة ،أما نحن فلا زلنا نبحث عن ملعب نجري فيه المباريات لذلك فالحديث عن تطوير البطولة يجب أن يبدأ من تطوير الفرق في حد ذاتها”.
نور الدين عطية