دييغو أرماندو مارادونا … شمس الأرجنتين وساحر الملايين… ترك إرثاً وكتب مجداً لن يمحوه تعاقب الأجيال والسِنين
ولد في الأرجنتين في عام 1960 ونشأ في ذاكرة عشاق الساحرة المستديرة إلى الأبد، لم يكن أحد يتصور أن الفتي الغجري القصير سيكتب تاريخا طويلاً مع كرة القدم مليئاً بألقاب وإنجازات ومواقف لم تقف عند حدود المستطيل الأخضر بل تعدته إلى أبعد من ذلك لتكتب قصصا وفصولاً للفتى الذهبي ستظل خالدة إلى الأبد. حكاية ” البيبي دل أرور ” أو الفتى الذهبي مع اللعبة بدأت من الشوارع كغيره من الأساطير ،فهناك في أحياء بيونس أيرس بصم دييغو على مقدمة في كتاب الساحرة كان عنوانها “المجد الأبدي سيبقى حتى و إن رحلت ” فصناع المجد يتركون ذكراهم بعد رحيلهم حية، فدييغو مارادونا أضاف نغمة موسيقية لكرة القدم يمكن للمرء سماعها بعينيه ، بدأت مسيرة مارادونا الكروية مع نادي أرجنتينوس جونيورز في عام 1976 ما جعل العروض تصله وبشكل سريع كسرعة مراوغاته لكن كانت من الغريم ريفير بليت إلا أن تشجيعه لبوكا حونيورز أجبره على الإستنجاد بأول حيلة من حيله الكروية ،حيث صرح للصحافة أن بوكا جونيورز يفاوضه مما سبب الضغط على إدارة “بوكا” التي تعاقدت معه ، فاز معها ببطولة الدوري عام 1982.
قصة قصيرة مع برشلونة لم يكتب لها النجاح
بعد مونديال 1982 كان أول ظهور لمارادونا في البطولات الأوروبية عبر بوابة نادي برشلونة الإسباني الذي تعاقد معه بملغ كبير حينها، ولكن وبالرغم من أن دييغو فاز مع النادي الكتالوني بمسابقة كأس إسبانيا وبطولة السوبر الإسبانية إلا أنه لم يكن يعيش أفضل أوقاته، حيث انهالت عليه الإصابات التي هددت بانتهاء مسيرته مُبكرًا، كما أن الفتى الغجري كان دائم الشجار مع مدربي الفريق ورئيس النادي وقتها وانتهت هذه النزاعات بانتقال مارادونا إلى نادي نابولي الإيطالي بمبلغ 6.9 مليون جنيه استرليني.
دييغو أضاف نغمة موسيقية لكرة القدم في نابولي إسمها ” ما را دو نا “
في الضاحية الجنوبية لإيطاليا و في شوارع المدينة العتيقة وعلى جدران المنازل وأعمدة الطرقات يروي تاريخ مدينة نابولي حكاياتٍ كثيرة عن عالم كرة القدم، وبين “العشق والجنون” اسم واحد فقط دييغو أرماندو مارادونا ،حيث كانت تلك المدينة المهمشة والفقيرة تنتظر في يوم من الأيام فرحة التتويج بلقب الدوري لم ينجح كلّ من مروا في تحقيق ذلك ،لكن وصول الفتى القصير كان له وقعٌ خاص، و أمام 75 ألف متفرج في ملعب “سان باولو” التاريخي حين تم تقديمه ، قال حينها الكاتب الرياضي ديفيد غولدبلات: “كانوا مقتنعين بأن المنقذ قد وصل”، فيما ذكرت صحيفة محلية يومها: “بالرغم من أننا لا نمتلك عمدة ومنازل ومدارس وحافلات وعملاً رغم كل هذه الأمور لدينا مارادونا” ،قبل وصول الأيقونة كانت فرق شمال ووسط إيطاليا تسيطر على المسابقة، كميلان ويوفنتوس وإنتر، بعد فترة قصيرة بات مارادونا القائد والنجم المطلق، وعلى إثرها قادهم لتحقيق الحلم المنشود، أي لقب الدوري الإيطالي، لأول مرة في موسم 1986 – 1987، حينها كتب غولدبلات: “الاحتفالات صاخبة في الشوارع، سلسلة من الحفلات المتتالية، كرنفالٌ على مدار الساعة استمر لأسبوع وأكثر لقد انقلب العالم رأساً على عقب، قام أبناء المدينة بجنازات وهمية ليوفنتوس وميلان، وحُرقت توابيتهم، فأعلنوا هزيمة القسم الآخر من إيطاليا وأكدوا أن إمبراطورية جديدة قد ولدت بقيادة مارادونا. رُسمت صورة مارادونا على الجدران، وتمت تسمية الأطفال حديثي الولادة باسمه تكريماً له. خلال تلك الفترة قادهم للفوز بلقب الكأس عام 1987 والدوري الأوروبي عام 1989 وكذلك السوبر الإيطالي والدوري من جديد في عام 1990 عن دييغو قال فرانكو باريزي، أسطورة ميلان: “حين يكون في القمة لا توجد طريقة لإيقافه” وحتى بعدما رحل الأرجنتيني سارع العشاق في نابولي إلى تغيير اسم ملعب “سان باولو” بإسم “دييغو أرماندو مارادونا”.
مارادونا:” لقد غدروا بي وطعنوني في الظهر”
ما بين عام 1991 إلى 1993 كان مارادونا قد انتهى كلاعب بعدما خرج من إيطاليا بعدما ثبت أنه قد تعاطى المنشطات وكان بسن ال 33 عاما ، كانت الأرجنتين قد هزمت من كولومبيا على أرضها ب 5-0 ولم تتأهل مباشرة ووصلت للملحق لمواجهة أستراليا ،الأمل الوحيد الذي تبقى للمشاركة في كأس العالم 94 ،يقال أن هنري كيسينجر وزير خارجية أمريكا “السابق” ذهب لمقابلة رئيس إتحاد الفيفا في مقره وقال له نريد نجما كبيرا في هذه النسخة لأن الشعب الأمريكي ليس بالشعب الشغوف بكرة القدم ، نحن نريد نجما كبيرا يجذب الناس لمشاهدة كأس العالم فقال له رئيس الفيفا هناك روماريو وبيبتو في البرازيل و كلينسمان في ألمانيا ،ردّ عليه كيسينجر وقال أن الأمريكيين لا يعرفون هذه الأسماء نحن نريد أسطورة مثل بيليه و بيكينباور و كرويف الذين لعبوا في الدوري الأمريكي ،فقال له رئيس الفيفا من تقصد ،قال كيسنجر نريد ماردونا ، فرد رئيس الفيفا ماردونا اعتزل و الآن هو في وضع صعب بعد قضية المنشطات، ليتحدث كيسينجر مع رئيس الاتحاد الأرجنتيني ونائب رئيس الفيفا وأبلغهم أنه يريد أن يشارك ماردونا في كأس العالم ،واستدعى رئيس الإتحاد الأرجنتيني مارادونا وجاء معه طبيبه ” كان مارادونا في ذلك الوقت قد زاد وزنه وفقد رشاقته ” .وقال الطبيب سوف نبذل كل ما في وسعنا لتجهيز مارادونا لكأس العالم وسنذهب إلى مصحة في كوبا وسنكون جاهزين ،ولكن الطبيب قال أن مارادونا سيتعاطى أدوية وعقاقير محظورة من قبل الفيفا وذلك لتخفيف الوزن نريد منكم الضوء الأخضر لفعل ذلك “. يقال أن رئيس الاتحاد الأرجنتيني ونائب رئيس الفيفا قد وافقا علي طلب الطبيب وقد حدث …شارك ماردونا مع الأرجنتين في كأس العالم وهزموا اليونان برباعيه ثم الفوز على نيجيريا 2-1 ،ثم بعد مباراة نيجيريا الشهيرة أخذت الممرضة مارادونا من يده لفحص المنشطات في اللقطة الشهيرة وخرج معها وهو مبتسم وكأنه ذاهب للتنزه ، كانت الثقة تملأ مارادونا أن فحص المنشطات هذا سوف يكون مجرد تمويه بما أنه قد اتفق مسبقا مع رئيس الفيفا ورئيس الإتحاد الأرجنتيني الذين أعطوه الإذن لاستخدام العقاقير المحرمة ،ثم جاءت نتيجة الإختبار بالإيجاب وأظهروا ذلك للعلن وتم استبعاد مارادونا ووقتها خرج مادونا للصحافة وقال تصريحه الشهير:” لقد غدروا بي وطعنوني في الظهر “.
هكذا كانت حكاية مارادونا من الأزمات الصحية
لم يكن مارادونا نجمًا رياضيًا و أسطورة في كرة القدم فحسب بل تميز عن جميع أقرانه في عالم اللعبة باحتلال عناوين الصحف لأسباب أخرى لا يمكن وضعها دائمًا في خانة الإيجابيات ،حيث شغل اللاعب الفذ العالم بمواهبه ومشكلاته، وحتمًا سيتذكره الجميع بأنه ذلك اللاعب الذي ربح العالم بعبقريته وخسر نفسه بسبب المخدرات وابتعد عن ملاعب كرة القدم مرغمًا، بعدما نقلته الأزمات من أمام المرمى إلى رهبة القضاة والمحاكم وأروقة المختبرات الطبية .وتميز مارادونا دومًا بشخصية نافرة خلافًا لأقرانه، حيث أكد مرارًا في تصريحاته أنه يفضل إتخاذ المواقف الواضحة، ولا يميل للون الرمادي المحايد ، بدأ دييغو مارادونا في تعاطي الكوكايين عندما كان في صفوف برشلونة الإسباني عام 1982، وفي عام 1991 تم إيقافه بسبب تعاطي هذا المخدر بينما كان يرتدي قميص نابولي الإيطالي ،ووصلت أزمة الأسطورة الراحل مع الكوكايين ذروتها في عام 2000 عندما تسببت جرعة زائدة في تعرضه لأزمة قلبية سافر على إثرها إلى كوبا للعلاج وإعادة التأهيل .وفي عام 2004، عانى النجم الأرجنتيني من أزمة جديدة ظل بسببها نحو 10 أيام في مستشفى في بوينس آيرس قبل أن يعود إلى كوبا مجددًا ،وبعد مشكلاته مع المخدرات وخضوعه لإعادة التأهيل، وقع الأسطورة الراحل في فخ الكحول والتدخين والسمنة، لينتهي الأمر به في المستشفى مجددًا في عام 2007 ،ودفع مارادونا لاحقًا ثمن حياته الصاخبة لتتدهور حالته الصحية، ويخرج من أزمة إلى أزمة جديدة متنقًلا بين المستشفيات ومراكز التأهيل، حتى فارق الحياة عن عمر يناهز الـ60 عامًا تاركا وراءه إرثا و مجداً لن يمحوه تعاقب السنين ،فغادر دييغو و رحل أرماندو لكن مارادونا سيظل حياً في قلوب عشاقه ،فهو الذي رسم الكرة في أبهى صورة على وجه المعمورة.
نور الدين عطية