كرة السلة .. تأسس في 2022 وصعد دون هزيمة… “راسينغ باسكت بال”.. قصة نادي أسسته الإرادة
في قصة رياضية تُجسد روح الإرادة والتحدي والتضحية، ولد نادي راسينغ باسكت بال عين مليلة من رحم غياب فريق المدينة السابق، حيث قررت مجموعة من اللاعبين المخلصين تحويل الإحباط إلى مبادرة لتأسيس كيان جديد خاص بكرة السلة سنة 2022، ورغم حداثة النشأة وقلة الإمكانيات، سرعان ما فرض النادي حضوره القوي والمُلفت، مسجلاً صعوداً تاريخياً دون أية هزيمة، ليؤكد أن عين مليلة لا تزال تزخر بالطاقات الشابة والمتميزة في رياضة السلة، ولتسليط الضوء على سر هذا النجاح السريع وتحديات الإمكانيات، وكيفية بناء قاعدة تكوينية صلبة في وقت وجيز، تتبعت “بولا” حصرياً مسيرة هذا النادي الوليد، والتقينا برئيسه، شيحة شمس الدين، الذي كشف عن ركائز الإستراتيجية التي وضعت النادي في قمة الصدارة خلال موسمه الأول.
مبادرة اللاعبين تُشعل فتيل التأسيس
لم تكن فكرة تأسيس نادي راسينغ باسكتبال عين مليلة مجرد قرار إداري عابر، بل جاءت نتيجة مباشرة لشعور بالمسؤولية تجاه مستقبل الرياضة في المدينة. فبعد انسحاب الفريق السابق من البطولة لأسباب مادية قاهرة، رأى هؤلاء الأعضاء، وهم لاعبون سابقون، أن المدينة لا يمكن أن تفتقد وجود ممثل في رياضة كرة السلة، فقرروا التأسيس الفوري لنادٍ جديد، حيث تحولت هذه الفكرة إلى واقع ملموس في سنة 2022 مع التأسيس الرسمي للنادي.
ويُعتبر شيحة شمس الدين، رئيس نادي راسينغ باسكتبال عين مليلة، أحد أبرز الوجوه التي قادت هذه المبادرة، حيث يؤكد أن الإرادة الجماعية كانت الدافع الأساسي لإحياء اللعبة في المنطقة. ويشير شيحة إلى أن العملية الإدارية والتأسيسية حظيت بتسهيلات ودعم إداري من المجلس الشعبي البلدي ومديرية الشباب والرياضة لولاية أم البواقي، وتم الحصول على الاعتماد بسهولة تام، وما يميز انطلاقة النادي فعلياً هو اعتماده على التمويل الأولي من مساهمات الأعضاء المؤسسين أنفسهم، حيث قدم كل واحد منهم مبلغاً محدداً لضمان انطلاقة قوية ومستقلة للنادي بعيداً عن التعثرات المادية التي أدت إلى غياب الفريق السابق. هذا الاعتماد الذاتي عكس روح الالتزام طويلة الأمد بالمشروع الرياضي.
صعود تاريخي
في المرحلة الأولى الحاسمة من عمر النادي، لم تكتف الإدارة بالتأسيس، بل ركزت على إستراتيجية مزدوجة، حيث كان الشق الأول يهدف إلى تسجيل أكبر عدد ممكن من الفئات الشبانية لضمان قاعدة مستدامة ورافد للمستقبل. أما الشق الثاني فتمثل في بناء فريق الأكابر، الذي تشكل أساساً من أعضاء الجمعية أنفسهم ممن يمتلكون الخبرة الرياضية، مما سهل التنظيم الداخلي والتحكم في سير العمل الإداري والرياضي بانسجام تام.
وقد اعتمد النادي على خبرة هؤلاء اللاعبين في التكوين، فتم استقدام مدرب كفء لفئة الأكابر ساهم بشكل كبير في بناء فريق متماسك تكتيكياً، وفي خطوة ذكية لتعزيز التأطير القاعدي، تم الاعتماد على لاعبي الأكابر المتمكنين لتأطير فئات الشباب، مما خلق نوعاً من الترابط والتكافل ونقل الخبرات مباشرة داخل النادي.
وبفضل هذا التنظيم المحكم والجهد المضاعف، حقق النادي إنجازاً غير مسبوق بتسجيل الصعود في أول موسم له بالبطولة دون أن يتلقى أي هزيمة، مسجلاً بذلك 17 فوزاً متتالياً (شاملة مباريات البطولة ودورة الصعود)، وهذا الصعود السريع يؤكد جودة العمل الميداني والروح التنافسية العالية التي يتمتع بها لاعبو الفريق منذ التأسيس، ويضع النادي كنموذج للنجاح الذي يبدأ بالإرادة الذاتية.
7 فئات تتحدى الإكتظاظ
على الرغم من هذا النجاح الميداني الباهر، يواجه النادي تحديات هيكلية ولوجيستية لا تزال تعيق طموحه في التوسع والاستدامة. وفي هذا الصدد، يؤكد رئيس النادي، شيحة شمس الدين، أن البنية التحتية تشكل العائق الأكبر واليومي في سير عمل النادي، حيث يسجل النادي نقصاً واضحاً في المرافق الرياضية الخاصة بالتدريبات، فيما تعاني القاعة الوحيدة الموجودة في المدينة من اكتظاظ كبير جداً، بسبب تقاسمها مع العديد من الأندية والجمعيات الأخرى، مما يضع ضغطاً هائلاً على برامج التدريب ويحد من إمكانيات استيعاب المزيد من الفئات الشبانية الراغبة في الانضمام.
ويضيف شيحة أن النادي، رغم حداثته، يدير شؤون سبع فئات شبانية (ذكور وإناث) بالإضافة إلى فريق الأكابر، مما يتطلب ميزانية ضخمة لتغطية تكاليف التنقل الطويلة في البطولات الجهوية والوطنية، وتوفير التجهيزات الرياضية الأساسية، وأجور المؤطرين المتخصصين. ويؤكد أن الدعم المالي المقدم للنادي موجود ومقدر من طرف السلطات المحلية، لكنه يظل غير كافٍ لتغطية متطلبات هذا العدد الكبير من الفئات، لاسيما وأن الهدف الأساسي للنادي هو التكوين على المدى الطويل، مما يتطلب استثماراً مستداماً.
برنامج تكويني نوعي
رغم تحدي الإمكانيات، لم يتوقف العمل التكويني، حيث بفضل التنظيم الصارم والعمل الجماعي، تمكنت إدارة النادي من إعداد برنامج تكويني خاص ومكثف للفئات الشبانية، يرتكز على أسس علمية وميدانية تضمن التطور المستمر للاعبين في مختلف الأعمار. وقد بدأت جهود التكوين تؤتي ثمارها مبكراً وتجاوزت حدود الولاية، حيث تم استدعاء 3 لاعبات من النادي إلى تربص المنتخب الوطني لأقل من 16 سنة، مما يمثل شهادة قوية على جودة العمل القاعدي ورؤية الإدارة الفنية رغم شح الموارد. ويُعتبر هذا الاستدعاء دليلاً ملموساً على أن نادي راسينغ باسكتبال عين مليلة يمثل بالفعل خزان للمواهب يمكن أن يغذي المنتخبات الوطنية، ويؤكد على ضرورة توفير الظروف المناسبة لاستدامة هذا العطاء، لأن استثمار بسيط اليوم في هذه المواهب الشابة، سيتحول إلى ركيزة للمنتخب الوطني مستقبلاً.
طموح “كأس الجزائر” للإناث ورهان “القسم الأول” للأكابر
وفي الختام، يضع النادي نصب عينيه طموحات واضحة للمرحلة المقبلة، حيث يركز أساساً على نشر ثقافة وحب كرة السلة في مدينة عين مليلة بشكل أوسع، وتكوين الفئات الشبانية على أسس صحيحة للمنافسة محليًا ووطنياً، والعمل على استدعاء أكبر عدد ممكن من لاعبي النادي إلى المنتخبات الوطنية. وفيما يخص الفرق التنافسية، يطمح فريق الإناث لأقل من 19 سنة للعب بقوة على لقب كأس الجزائر هذا الموسم، مما سيشكل إضافة نوعية لسجل النادي الحديث ويرفع من قيمته التنافسية.
أما فريق الأكابر، فيسعى جاهداً لتحقيق الصعود إلى القسم الأول، مؤكداً أن هذا الهدف يتطلب دعماً كبيراً ومضاعفاً من السلطات المحلية والولائية لضمان استمرارية هذا المشروع الرياضي الواعد، ولهذا يشدد شيحة شمس الدين على أن الإستثمار في البنية التحتية وتأمين الدعم المالي المستدام هما مفتاح بقاء واستمرار هذا الإنجاز الذي تحقق بعرق وجهد اللاعبين.
إعداد: حليمة. خ



