مقداد عبد القادر (المدرب السابق للمنتخب الوطني للتايكواندو): “هذا ما ينقصنا للوصول إلى العالمية”
تُعدّ رياضة التايكواندو الجزائرية من الرياضات التي تواصل تأكيد حضورها القاري، حيث حقق المنتخب الوطني الشاب مؤخراً نتائج لافتة في البطولة الأفريقية الأخيرة، ولتسليط الضوء على هذا الأداء وتحليل واقع هذه الرياضة في الجزائر، كان لنا هذا الحوار مع المدرب الوطني السابق ورئيس النادي الرياضي المحترف “كادرا سبورت أكاديمي” مقداد عبدالقادر، حديث يضع فيه هذا الأخير النقاط على الحروف، مُقيماً حصيلة المنتخب، وكاشفاً عن التحديات التي تواجهه، ومُقدماً رؤية مهنية لمستقبل التايكواندو الجزائري.
بداية، كيف تقيمون حصيلة المنتخب الشاب في البطولة الأفريقية الأخيرة، وهل كانت هذه النتائج متوقعة أم أنها فاقت التوقعات؟
“بكل واقعية، أقيم هذه المشاركة بالمشرفة للغاية، وخاصة أننا نتحدث عن فئة الأشبال والأواسط، حيث يعتبر المستوى التقني والتكتيكي غير كافٍ إذا غابت الخبرة، لا يمكننا أن نقارن هؤلاء اللاعبين بلاعبين مخضرمين شاركوا في بطولات دولية كبرى، ولكننا نرى أنهم يسيرون في الطريق الصحيح نحو تحقيق طموحات أكبر، المنافسة الإفريقية للتايكواندو ليست بالسهلة على الإطلاق، بل هي ذات مستوى لا بأس به، حيث تضم منتخبات قوية ومستقرة، تحقيق هذه الحصيلة في ظل هذه الظروف يعد إنجازًا إيجابيًا ومحفزًا للجيل القادم، هذه النتائج لم تكن مفاجئة تمامًا، بل كانت ضمن التوقعات الواقعية التي نضعها لمثل هذه الفئات العمرية، خاصة بالنظر إلى المجهودات المبذولة من قبل الأندية والاتحادية، وهي نتيجة عمل جماعي يثبت أن لدينا قاعدة صلبة يمكن البناء عليها في المستقبل.”
إذن وبعيداً عن الميداليات، ما هي أبرز الجوانب الفنية التي لفتت انتباهكم في أداء اللاعبين؟ وهل ترون أن أساليب التكوين الحالية تسير في الاتجاه الصحيح؟
“يعكس أداء اللاعبين الجهد المبذول في الجوانب الفنية، التقنية، والتكتيكية، وكلها تتطلب عملاً كبيرًا ومستمراً، من خلال ما شاهدناه، نستنتج أن هناك عملاً مكثفاً ومجهودات كبيرة تبذل من طرف المدربين، سواء على مستوى الأندية أو على مستوى المنتخب الوطني، وهذا يدل على أن أساس التكوين في الجزائر لا يزال صلبًا، وأن المدربين المحليين يملكون الكفاءة اللازمة لتوجيه المواهب الشابة، وهو ما يجعلنا متفائلين بالمستقبل، كما أود أن أضيف أن التايكواندو اليوم لم يعد يعتمد على القوة البدنية فقط، بل أصبح رياضة ذكاء وسرعة في اتخاذ القرار، وهذا ما لمسته في بعض اللاعبين. القدرة على قراءة هجوم الخصم والتصدي له بأسلوب تكتيكي ذكي هي ما يميز البطل الحقيقي، وهذا الجانب يحتاج إلى مزيد من الصقل والتركيز في التدريبات.”
بالحديث عن الأبطال، البطل تومي عبد الرحمن حقق الميدالية الذهبية، برأيكم، ما هي المقومات التي يمتلكها لمواصلة هذا النجاح والتألق عالمياً؟
“تومي عبد الرحمن لاعب واعد للغاية، وتحقيقه للميدالية الذهبية في هذه البطولة دليل على ذلك، إنه لاعب جيد يمتلك مهارات فنية عالية، لكن ما يميزه حقًا هو الهدوء والتركيز، وهما صفتان أساسيتان لتحقيق النجاح على المستويات العليا، هذا الأمر يخوله لمواصلة المشوار وتحقيق نتائج أفضل في فئة الأكابر في قادم الأيام، بشرط أن يواصل العمل بنفس الجدية، فالأبطال الحقيقيون ليسوا فقط من يمتلكون المهارات البدنية، بل هم من يملكون العزيمة والانضباط الذهني، وتومي يمتلك هذه الصفات، وإذا استمر في العمل على تطويرها، سيكون له مستقبل كبير في التايكواندو العالمي، عليه أن يعلم أن الطريق إلى العالمية ليس سهلاً، ولكنه بالإصرار والمثابرة يصبح ممكنًا.”
من خلال خبرتكم الطويلة، ما هي أبرز التحديات التي واجهت الفريق في هذه البطولة؟ وهل تعتقدون أن الحلول كانت كافية لتجاوزها؟
“كما نعلم جميعًا، البطولات القارية تختلف تماماً عن البطولات الوطنية، أبرز التحديات التي تواجهنا هي مواكبة التطور المتسارع في رياضة التايكواندو على الصعيد العالمي، حاليًا، البطولات والدورات الدولية والعالمية تنظم بالاعتماد على العتاد الإلكتروني المتطور مثل واقي الرأس، واقي الجذع، وواقي القدمين، وهذا العتاد غير متوفر لدى أغلب الأندية الجزائرية، إلا البعض منها، هذا النقص الكبير في التجهيزات الحديثة يصعب المأمورية أمام رياضيينا ولاعبي المنتخبات الوطنية، ويجعلهم يدخلون المنافسات الكبرى بنقص واضح، واللاعب الجزائري يعتاد على التدرب بأساليب تقليدية ثم يصطدم بواقع المنافسة العالمية الذي يعتمد على السرعة والدقة في رصد النقاط إلكترونيًا، هذا التحدي يحتاج إلى حلول جذرية من خلال توفير هذا العتاد في أكبر عدد ممكن من الأندية، الحلول الحالية قد تكون مؤقتة، لكنها ليست كافية لتحقيق نتائج مبهرة على المدى الطويل.”
بخصوص ذلك لاحظنا تفوق منتخبات مثل مصر وساحل العاج، أين يكمن الفارق بين منتخبنا وتلك المنتخبات؟ وهل الفارق تقني فقط أم يتعلق بالتجهيزات؟
“المنتخب المصري ومنتخب ساحل العاج يصنفان من أقوى المنتخبات على الصعيد الإفريقي وحتى العالمي، حيث تمتلك كل منهما عدة أبطال أولمبيين في التايكواندو، الفارق بيننا وبينهم ليس تقنيًا فقط، بل هو مزيج من الخبرة والتجربة الكبيرة في المنافسات العالمية، بالإضافة إلى توفر التجهيزات الحديثة والدعم المستمر، منتخبنا الوطني يعمل بجد ليكون في مصاف هذه المنتخبات القوية، وهذا يحتاج إلى خطة عمل شاملة ودعم أكبر، المنتخبات الكبرى تستثمر في لاعبيهم من صغرهم، وتوفر لهم البيئة المثالية للتطور، من معسكرات تدريبية مستمرة، واحتكاك مع مدارس عالمية مختلفة، وتوفير الدعم النفسي والغذائي، هذا هو الفارق الحقيقي الذي علينا أن نعمل عليه إذا أردنا أن نصل إلى العالمية.”
إذن كيف يمكن استثمار الإنجازات الحالية للمضي قدماً نحو الألعاب الأولمبية للشباب وبطولة العالم؟
“الاستثمار في هذه الإنجازات يكون بمنح فرص أكبر لهؤلاء الأبطال لتمثيل المنتخب الوطني في جميع المحافل الدولية. يجب العمل على المشاركة في الدورات الدولية المصنفة تحضيرًا للبطولات القارية والعالمية الرسمية، كما يجب تكثيف التربصات للمنتخبات الوطنية ومتابعة هؤلاء الأبطال بشكل دقيق ومستمر من طرف المدربين الوطنيين حسب الفئات، هذه هي خارطة الطريق التي ستجعلنا ننتقل من مرحلة الإنجازات القارية إلى العالمية، يجب أن يكون هناك برنامج واضح وممنهج لتطوير هؤلاء اللاعبين، لا يقتصر على البطولات الرسمية فقط، بل يشمل الاحتكاك المستمر مع أبطال عالميين، وتوفير كافة الإمكانيات التي يحتاجونها للوصول إلى أعلى المستويات.”
في الختام، ما هي رسالتكم ونصيحتكم لهذا الجيل الواعد من اللاعبين والطاقم الفني المشرف عليهم؟
“رسالتي هي رسالة أخ وصديق، أقول لهم: “الجد والاجتهاد هما مفتاح النجاح،عليكم بالعمل الدؤوب من أجل تمثيل الراية الوطنية أحسن تمثيل، كما أغتنم هذه الفرصة لأشكر جميع القائمين على هذه الرياضة والمنتخبات الوطنية، من مدربين ومسيرين، ونتمنى لهم المزيد من التألق والنجاح في قادم الأيام، أرجو أن يواصلوا العمل بنفس الشغف والعزيمة، وأن لا يكتفوا بما حققوه، لأن طريق النجاح لا يتوقف أبدًا.”
حاورته: حليمة.خ




