وهران.. عاصمة الرياضة العربية تصنع جسور الأخوة والتواصل

من قلب مركب ميلود هدفي بوهران حيث تتلاقى أسرع الأقدام وأقوى السواعد في منافسات البطولة العربية لألعاب القوى، لم يكن المضمار مجرد ساحة للسباق، بل فضاءً رحبًا يعكس روح الأخوة العربية وقيم الرياضة الراقية. وهران، الباهية التي تحترف احتضان الأشقاء، كانت مسرحًا لمشاهد استثنائية تجاوزت حدود التنافس الرياضي إلى آفاق أسمى من الأخوة، الصداقة، والتواصل الحضاري.
عندما تتسابق العداؤون، وينافس الرياضيون في رمي الرمح والجلة، تغيب كل الحسابات الضيقة، وتتوحد المشاعر تحت راية الرياضة التي لا تعترف إلا بالاحترام، الشرف، والتحدي النبيل في وهران، لم يكن التنافس محصورًا في تحطيم الأرقام القياسية، بل كان مناسبة للتعبير عن روح الرياضة العربية بأجمل صورها. لم يكتف الرياضيون بالمنافسة، بل امتزجت لحظات التحدي بالحفاوة والتقدير، حيث صفق العداؤون لبعضهم البعض، ورفعوا أعلام بلدانهم في مشهد إنساني مبهج. من المدرجات إلى المضمار، كانت البطولة لوحة فنية تعبّر عن قوة الرياضة في بناء جسور التواصل بين الشعوب.
وهران.. مدينة تصنع الحدث الرياضي العربي من جديد
لم تكن هذه البطولة مجرد سباقات وميداليات، بل جسّدت مرة أخرى قدرة وهران على أن تكون عاصمة عربية للرياضة. فبعد أن استضافت بنجاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط 2022، والألعاب العربية 2023، وها هي اليوم تضيف البطولة العربية لألعاب القوى إلى سجلها الرياضي الزاخر، لتؤكد أنها وجهة رياضية بامتياز. التنظيم المحكم، الأجواء التنافسية، والحضور العربي الواسع، كلها عوامل جعلت هذه البطولة تجربة لا تُنسى، حيث اختلطت مشاعر الفخر بالحماس، وتجسدت قيم الرياضة التي تجمع ولا تفرق.
حكايات الروح الرياضية..التنافس في المضمار والصداقة خارجه
خلال المنافسات، ارتفعت الأعلام العربية جنبًا إلى جنب، وصافح العداؤون بعضهم البعض بعد نهاية السباقات، في مشاهد تعكس نبل الرياضة حين تلتقي الشعوب على أرض واحدة. هذه اللحظات لم تكن مجرد تعبير عن المنافسة النزيهة، بل كانت صورة واضحة تعكس الأخوة الحقيقية التي تجمع الرياضيين العرب، العداءة التونسية إيمان ساعي المتوجة بذهبية 10,000 متر مشي، لم تخف سعادتها بهذه اللحظات، وقالت: “أنا فخورة بهذا الإنجاز، والأجمل أنني حققته في بلد شقيق مثل الجزائر. التنظيم كان رائعًا والجمهور الجزائري أضفى حماسة خاصة على المنافسات. شعرت أنني في وطني الثاني.” أما العداء الجزائري عامر عبد النور، الفائز بذهبية 20 كلم مشي، فقد وصف أجواء البطولة بقوله: “الجو الأخوي الذي ميز هذه البطولة شجعنا على تقديم أفضل ما لدينا. لم يكن الأمر مجرد تنافس، بل كان تلاحمًا بين الرياضيين العرب، حيث كان الجميع أخوة قبل أن يكونوا منافسين.” مرة أخرى، تثبت الرياضة أنها الوسيلة الأكثر فاعلية لتقريب الشعوب، والتعريف بالثقافات، وتعزيز قيم التسامح والتواصل. بعيدًا عن السياسة، كانت البطولة العربية لألعاب القوى بوهران فرصة ذهبية لتبادل التحايا والتجارب بين الرياضيين العرب، حيث لم تقتصر العلاقات على المضمار، بل امتدت إلى الشوارع، المطاعم، وأروقة الفنادق، لتؤكد أن الأخوة الرياضية تتجاوز حدود المنافسة.
وهران.. نموذج للرياضة الراقية وبوابة المستقبل الرياضي العربي
من خلال هذه البطولة، تثبت وهران أنها أكثر من مجرد مدينة رياضية، فهي جسر حقيقي بين الشعوب العربية، وواجهة مشرقة للرياضة في المنطقة. الرهان القادم سيكون تنظيم المزيد من المواعيد الرياضية الكبرى، لأن الجزائر أثبتت أنها قادرة على جمع العرب في أجواء تنافسية وإنسانية راقية، وهو ما يفتح الباب لمزيد من التظاهرات الدولية مستقبلاً. من مضمار البطولة إلى ساحات الأخوة، رسمت وهران أجمل قصص الرياضة العربية، وأكدت أن حين تلتقي الشعوب تحت راية المنافسة النزيهة، لا يجمعها سوى المحبة، الفخر، والأمل بمستقبل عربي أكثر تماسكًا وتآلفًا.
تغطية: مصطفى خليفاوي / نبيل شيخي
تصوير: عبد الكريم مكالي