متفرقات

تبون يهنئ الأسرة الإعلامية.. رسالة رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم الوطني للصحافة

” إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن نحتفي سويا باليوم الوطني للصحافة استذكــــــــارا للماضـــي المشرف وتطلُّعــــــا للمستقبل الواعــــــد لهـــــذه المهنــــــة التي نخصُّها بما تستحق من دعمٍ واهتمام. نقف بكل احترام وعرفان أمام نضالات الرعيل الأول من الإعلاميين الذين ساهموا بوطنيةٍ عالية، واحترافية مشهودة في مقاومة قوى الاحتلال والتعريف بعدالة قضيتنا التحررية في المحافل الدولية. لقــد ظل الصحافي الجزائري وفيًا لوطنه لاسيمـــــا في الظروف الصعبة الـــــــــتي مرّ بهـــــــــــــــــا حيث قدم المنتسبون للمهنــــة الحياة الغالية دفاعا عن سيادة الوطن وعن القيم الإنسانية المثلى.ستــظل مساهمــــــاتُ هـــــؤلاء وأولئك الإعلاميـــــين مرجعيــــــــة مشرفة في ممارسة مهنة الصحافة بحرية ومسؤولية.

إن الصحافيين يعيشون اليوم مرحلة فارقة في مسارهم المهني بفضل تنوع وتطور محتويات وأشكال وسائل الإعلام والاتصال، التي تفتح مجال الإبداع واسعا باستخدام الرقمنة والوسائط الإلكترونية، التي وللأسف الشديد، يوظفها البعض لأغراض تُسيء لشرف الإنسان وتُجانب أخلاق المهنة. بات من الضروري بل من المستعجل التفكير التشاركي والإيجابي لاستحداث الآليات الكفيلة بتقنين وتأطير أساليب العمل المستجدة في عالم الصحافة بفضل الرقمنة والإعلام الإلكتروني.

لقد جعلنا هذا المجال إحدى الأولويات للنهوض بقطاع الاتصال خدمة لحق المواطن في المعلومة الصادقة ولمرافقة مسار بناء جزائر جديدة. إننا على يقين بأن الرقمنة ليست خيارًا وإنما هي من مستلزمات العصر الذي نعيشه، بل هي تحدٍّ علينا كسب رهاناته بما يصون وحدة البلاد وسيادتها ويطور أداء الإدارة الجزائرية خدمة للاقتصاد ولترقية حقوق المواطن بما فيها تلك المتعلقة بالإعلام.

أود بهذه المناسبة أن أتوجه بتحية تقدير مستحقة لشبابنا الطموح وهو يُبهرنــــــا باستمرار بذكائه الخـــــــــارق وبابتكاراتـــــــه المتميزة في مجالات ترتبــــــــط بالثــــــــــورة الصناعيــــــة الرابعــــــــة، وما تُوفِّــــــــره من فــــرصٍ لتسهــــــيل التواصل بين البشر وتحسين أداء المؤسسات. مـــن الأسمــــــاء التي تحضرني في هــذا المقـــــــام الطالبة لينــــدة عليــــــان التي تمكنت من تطوير نموذج أمني يناسب كل الأنظمة التكنولوجية ويضمن التحكم في الوصول إلى أي حاسوب، كما يساعد على حماية الأصول الرقمية، على غرار البيانات والمستندات.

أتاحت لي مناسبة تدشين معرض المؤسسات الناشئة مؤخرا فرصة الوقوف على قُدرات هذه المؤسسات على الابتكار، والعزم على المساهمة في تطوير الجزائر بمهارات شابة من الجنسين. استوقفتني بشكل خاص إبداعات فتيان من ولاية سطيف انتزعوا بكل جدارة المركز الأول في المسابقة الدولية للروبوتيك بكوريا الجنوبية إلى جانب تلك الإنجازات التي أَبهرَنا بها أطفال ” جمعية الإبداع والابتكار العلمي لولاية المسيلة” الذين ابتكروا “المزرعة الذكية” و ” الحذاء الذكي للمكفوفين”.

إنني أؤكد على واجب الاهتمام بتنميةِ وتحفيز المواهب العلمية الشابة، مُلحًا بشكل خاص على التعجيل بإيجاد مخابر ابتكار لصالحهم، تُساعد على تجسيد وتطوير أفكارهم، إسهامًا في بناء جزائر التطور والأمل. إن هذه المخابر التي يتعيَّن تعميمُها على كافة أرجاء الوطن ستكون بمثابة رافدا للآليات الأخرى ذات الصلة على غرار ” الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيات”، المستحدثة في مشروع التعديل الدستوري المرتقب.

لقد أولينا فئة الشباب مناصب المسؤولية العليا لاسيما في الرقمنة واقتصاد المعرفة والاستشراف والمقاولاتية من خلال القطاعات الوزارية المستحدثة، مع تكليف الحكومة بوضع الآليات الكفيلة لتبني الرقمنة كأسلوبِ عملٍ من شأنه تحسين خدمات الإدارة وتسهيل تعاملات المواطن إلى جانب إحداث قفزة نوعية في الاقتصاد الوطني. قمنا منذ أيام فقط بإطلاق الصندوق الوطني لتمويل المؤسسات الناشئة، كآليةٍ جديدة للتمويل المرن والمحفِّز للشباب حاملي المشاريع، والذين غالبًا ما أصطدم طموحُهم بالعراقيل البيروقراطية المحبِّطة. إننا عازمون على التوجه نحو حكومة إلكترونية، تعمل على الاستفادة القصوى من مزايا الرقمنة لاسيما من حيث ربح الوقـــت والمــــال والجـــهد والتحكـــم في البيانـــات والمستنـــدات ومراقبة التحويلات المالية، تجنُّبًا للتصرفات المشبوهة وغير القانونية التي ميزت إلى عهدٍ قريب علاقة الإدارة بما عرف ” برجال الأعمال والمستثمرين”.

لقـــد تأثــــــر الاقتصــــاد الوطـــني والخزينـــــة العموميـــة بشكل بليـغ من هذه التصرفات الخطيرة التي عقدنا العزم على وَأْدِها وعلى عدم إفلات كل من تسبب في نهب المال العام، وفي أعمال الفساد والإضرار بمصلحة المواطنين من المتابعات القانونية التي تتولاها الاجهزة المختصة بشكل مستقل، عادل وشفاف. يتعين علينا وضع الأمن المعلوماتي ضمن أولويات بناء الجزائر الجديـــدة من خـــــلال إعداد الأطر القانونيــــة والآليـــــات اللازمــــــة لمواكبة الطفرة التكنولوجية. كافة المؤسسات مطالبة عاجلا غير آجلا، بإعادة هيكلة نفسها والاندماج في عالم الخدمات الإلكترونية الذي أضحى واقعًا لا مفر منه.

لقــــد سبق لي إســـــداء التوجيهـــــات اللازمة، والتي أَحرص كل الحرص على تجسيدها بخصوص الإسراع في رقمنة القطاعات الوزارية وتحقيق الترابط بينها إسهاما في محاربة البيروقراطية والفساد، مع ضرورة إيجاد حل جذري لمشكل بطء تدفق الإنترنت.

نسجل بارتياح شروع بعض القطاعات في تبني العملية من خلال وضع أرضيات رقمية خاصة، فإننا نُعوِّل أيضا على المجتمع المدني لمرافقة هذه الجهود بالتوعية والتحفيز للإقبال على الرقمنة والحلول التكنولوجية كخيارٍ لا بديل عنه، لبناء الجزائر الجديدة التي وقَّعَ شهادة ميلادها الحراك الشعبي المبارك.يتعين على المواطن الذي يقع في قلب التحول الرقمي الاندماج بقوة في هذه العملية عن طريق اكتساب نمط تفكير جديد، وانتهـــــــــاج أسلــــــوب حيــــــاة يتمــــاشى مــــع الحلـــــول الإلكترونيــــــة المبتكــــــر التي تُوفرها المؤسسات الوطنية كالدفع الإلكتروني، ومختلف المعاملات الإدارية و الاقتصادية.

إن اختيارا موضوع: ” الرقمنة … جسرٌ لبناء الجزائر الجديدة” مادة للتنافس حول جائزة رئيس الجمهورية للصحفي المحترف، يتيح لي فرصة التنويه بجهود قطاع الاتصال الرامية إلى تعميم الرقمنة في مختلف المؤسسات والشركات الاعلامية.

أشيد عاليا باحترافية الصحافيين في مرافقة عملية التحضير للاستفتاء حول مشروع تعديل الدستور، لاسيما من خلال توظيفهم للإعلام الإلكتروني ووسائط التواصل الاجتماعي، لتغطية مختلف مراحل هذا الحدث الوطني الهام، بل والمصيري في مسار التأسيس لجزائر جديدة. إننا نشيد بمهنية أسرة الإعلام الوطني في التعاطي مع الاستفتاء، إذ نُجدِّد التزامَنا بضمان حرية الصحافة والتعبير في إطار القوانين السارية المفعول والضوابط الاخلاقية، التي يَتَمَثَّلُها الصحافي تلقائيا في أداء رسالته الإعلامية النبيلة. يحقّ لصحافتنا دون عُقد ولا مغالاة، أن تلقن دروسًا في المهنية والاحترافية لصحافة بعض الدول التي تدَّعي الريادة في مجال حرية الصحافة، لكنها في الحقيقة تَتَّخذ في حرية التعبير شعارًا أجوفًا، تُطوِّعه لتنفيذ حسابات خاصة، تحركها لوبيات معادية للجزائر التي لا تقبل الترويض ولا التهجين.

مثل هذه الممارسات الدنيئة هي وصمة عار على جبين القنوات التي تدوس أخلاقيات المهنة وحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حقوق المرأة والطفل، من أجل نَفْث سمومها اتجاه بلادنا، بما تنشره من معلومات كاذبــــة لاسيمـــا بمناسبـــــة المواعيــــد الكـــبرى في تاريــــخ الجزائر الجديدة على غرار موعد الاستفتاء الوشيك حول مشروع تعديل الدستور.

إن هـــذه الوثيقـــة المعروضة للتصويت يوم فاتح نوفمبر، مع كلِّ ما يحمله هذا اليوم من رمزيةٍ ومن ثقل تاريخي، يُذكِّر الأعداء بصلابة الجزائريين ووطنيتهم، هي وثيقة تُعزِّز ثوابت الأمة ومقومات هويتها غير القابلة للانفصام ولا للمزايدات.

نأمل في تزكية الشعب بقوة لهذه الوثيقة النوفمبرية الهوى والمبتغى، والتي ستكون بمثابة لبنة أساسية في صرح بناء جزائر جديدة تكرس الديمقراطية والحكم الراشد، عن طريق عصرنة الادارة وأخلقه المعاملات على مختلف المستويات.  التأسيس لعهد جديد في تاريخ الجزائر الضارب في القدم، إنما يأتي تلبيـــــةً لتطلعــــــات الشعــــب بإحـــــداث القطيعــــة مع كافـــــة التجـــــاوزات والممارســـــات السلبيــــة التي أفقــــدت ثقة المواطــــن في مؤسسات الدولة وأصابت الإدارة بالوهن، والاقتصاد بالفساد والضمور.

تعهدنا في ديسمبر الماضي بالاستجابة لهذه التطلعات، بل الحقوق المشروعة، وها نحن نوفي تباعًا بالتزاماتنا تنفيذًا للبرنامج الذي زكاه الشعب، والمعبر عن خياراته وطموحاته، لاسيما تلك المتعلقة بصيانة الهوية الوطنية في أبعادها الثلاث: الإسلام والعربية والأمازيغية، وترقية الحقوق والحريات، وتكريس المساواة لاسيما في مناطق الظل التي تقع ضمن أولويات برنامج التنمية الوطنية، إلى جانب الحفاظ على المال العام، وتشجيع الاستثمار المنتج، وتحرير المبادرات، وكذا الفصل الفعلي والمرن بين السلطات.

بفضل الله ثم بجهود كافة المخلصين، انطلق قطار التغيير الجذري باتجاه التطور والتقدم، ولن يُوقفه عويلُ المأجورين، ولا دسائسُ الماكرين الذين تُزعجهم قرارات الجزائر السيّدة، ولا تروقهم خياراتها الاستراتيجية، سواءً فيما يتعلق بقضايا الوطن، أو بالشأن الدولي، وأخص بالذكر هنا مواقفَنا الثابتة، ومبادراتنا الحكيمة حول منطقة الجوار الإفريقي.

لا يسعني مع اقتراب موعد الاستفتاء حول تعديل الدستور سوى تجديد الدعوة للجزائريات والجزائريين داخل الوطن وخارجه إلى المشاركة بكل ديمقراطية في هذا الاستفتاء، الذي ساهمت الصحافة الوطنية في مرافقة مختلف مساراته بالشرح والتوعية، وبالتغطية الإعلامية للنشاطات والنقاشات ذات الصلة.

سجلنا بارتياح كبير تمكُّن الإعلام الجزائري من أداء خدمة ذات نوعية ومصداقية من خلال استعمال المواقع الإلكترونية ووسائط التواصــــل الاجتماعي في النقـــــــل الآني للمعلومـــــة، وفي سرعــــــة نشرهــــــا وتقاسمها، وكذا التفاعل الفوري مع موضوع الاستفتاء.إن مشــــــروع التعديــــــل الدستـــــوري يضمــــن الحــــــق في إنشاء مواقع وصحف إلكترونية، تكريسًا لحريــــة الصحافة بكـــل ما تُمثلــــه من حريــــــة تعبــــير وإبـــــداع، وحــــق في الوصــــول إلى مصـــادر الخــــبر، وحماية استقلالية الصحافي والسر المهني.من الضمانات الأساسية الاخرى المتضَّمَنة في المشروع، نذكر أيضا عدم إخضاع جنحة الصحافة للعقوبات السالبة للحرية، وعدم توقيف أي نشاط صحفي مهما كانت وسائل بثّه ونشره، دون صدور قرار قضائي.

كانت لقاءاتي بعديد الصحافيات والصحفيين من الإعلام الوطني العمومي والخاص، وكذا الأجانب فرصة أكدت من خلالها موقف الدولة الواضح لتوفير الدعم والضمانات المهنية اللازمة، للارتقاء دومًا بأداء الصحافة الجزائرية دون استثناء. إن هذا الدعم سيعزز الحقوق المكفولة للصحافي، وهو يؤدي رسالته الإعلامية تحت مظلة القانون، مشفوعًا بالأخلاق والآداب المهنية القائمة على احترام الحقوق والحريات، ونبذ خطابات التفرقة والتمييز والكراهية. لقــــــد جعــــــل المرتزقـــــة والخونــــــة من المواقـــــع الإلكترونيــــــة مجالا خصبًــــا، للترويج لهذه الخطابات، ولكافة الحملات المسعورة الرامية إلى زرع الفتن، وإحباط معنويات المواطنين، لكن وبحمد الله فإن الشرفاء إنْبروا من خلال ذات المواقع للتصدي لكل المخططات الشيطانية ضد بلادنا.

ليتأكد الأعداء والحاقدون من مختلف النحل والمشارب أن للجزائر ربٌ يحميها، وشعبٌ عقد العزم على صيانة أمانة الشهداء، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة، بالعلم والعمل، وبوحدة الصف دومًا وأبدًا. تلك هي الجزائر التي تظل واقفة بفضل تضحيات أبنائها البررة، وفي مقدمتهم أفراد الجيش الوطني الشعبي، الدرع الواقي للأمة وحصنها الحصين، الذي أفشل باقتدار واحترافية عالية كل المحاولات العدائية، والمناورات الخبيثة ضد وطننا المفدى.

لا ننسى وبلادنا تتعافى تدريجيا من وباء كورونا، تضحيات السلك الطبي وشبه الطبي، الذي تصدى بشجاعة وإيثار للجائحة، مسنودًا بدعم الدولة وبمساهمة المجتمع المدني، ومرافقة أسرة الصحافة الوطنية.

نثمن عاليا تضحيات كافة النماذج الإيجابية والقدرات البناءة فإننا نتطلع إلى كسب رهان الرقمنة قريبًا مباركين كل جهدٍ يُسخَّر بإخلاص، لبناء الجزائر الجديدة.

أهنئ الفائزات والفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للصحافي المحترف وأُجدد دعمي وشكري لكل الصحافيين والإعلاميين متمنيًا لهم كل الخير والسداد.

لا يفوتني ونحن نتأهب للاحتفال بذكرى مولد خير الأنام المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، أن أتقدم للشعب الجزائري وللمسلمين كافة، بأجمل التبريكات وأعطره”.

أسامة شعيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
P