لا ألقاب ولا تمويل .. كرة اليد بوهران في خبر كان
تعيش رياضة كرة اليد بوهران أسوء فتراتها، بعدما كانت في الماضي مركزا تقليديا لتكوين المواهب الشابة التي صنعت أمجاد الكرة الصغيرة في الجزائر، لتدور الدائرة وتدخل هذه الرياضة في نفق مظلم أصبح الخروج منه أمرا صعبا للغاية. وخير مثال يترجم هذا التراجع الرهيب لكرة اليد الوهرانية، هو الوضعية المتردية التي آل إليها نادي مولودية وهران، أي أول فريق جزائري يحوز على كأس افريقيا للأندية عام 1986، دون أن ننسى الألقاب العربية الثلاثة التي زين بها خزائنه وأفرح بها أيضا أنصاره في ”الباهية” وفي عموم الوطن. والواقع أن مولودية وهران ليست النادي الوحيد الذي تألق في سماء كرة اليد الوهرانية، باعتبار أن أندية أخرى امتازت في سنوات المجد بسياستها الرائعة في ميدان التكوين، على غرار ناديت وهران الذي اندثر كليا من الساحة، أو أولمبي أرزيو المنحل. كل هذه الأندية وغيرها كانت خزانا حقيقيا للمولودية، حاملة مشعل كرة اليد في وهران والغرب الجزائري عموما في سنوات الثمانينيات، قبل أن تنقلب الأمور رأسا على عقب وتدخل الرياضة الثانية الأكثر شعبية غرفة الانعاش. ويتساءل المراقبون وعموم محبي الكرة الصغيرة عن الأسباب التي جعلت هذه الرياضة تصل في وهران (وفي عموم القطر الجزائري) إلى هذه الحالة الكارثية التي لم يتنبأ لها الكثير. ويرى أهل الاختصاص من لاعبين قدامى في مولودية وهران كتبوا تاريخ هذا النادي بأحرف من ذهب أن انسحاب المؤسسات العمومية من الميدان الرياضي في بداية التسعينيات كانت بداية التراجع الرهيب لكرة اليد في وهران. حيث صعدت الكرة الصغيرة في الباهية إلى القمة خلال عهدة الإصلاح الرياضي الذي شرع في تطبيقه عام 1977، ولكن ما إن تم التخلي عن هذه السياسة، حتى دخلت هذه الرياضة وغيرها في متاهة يصعب الخروج منها، والدليل أن نجم المولودية أفل منذ ذلك الوقت بسبب افتقار النادي للدعم المالي الذي كان يحوز عليه من طرف شركة نفطال”. بجيل ذهبي يضم بن جميل ودوبالة ويقوده المدرب القدير مكي جيلالي الذي والذي أغدق على ”الحمراوة” بالألقاب الوطنية والدولية، أصبحت أغلبها تباع في سوق المواد المستعملة في ظل تجاهل المسيرين الذين تعاقبوا على قيادة المولودية لتاريخ النادي وإرثه. كما يتأسف أفراد كرة اليد الوهرانية شديد الأسف لسوء الحال الذي أضحى عليه فريقهم المفضل وكرة اليد عموما في وهران، خاصة مع غياب سياسة التكوين، التي سقطت على إثرها كرة اليد في وهران إلى أسفل السافلين ولعل تألق جيل المولودية في الثمانينيات وبداية التسعينيات، كان ذلك ثمرة العمل المتواصل منذ الفئات الصغرى. نظرا للتجانس الكبير بين جل العناصر التي تعودت على اللعب مع بعضها البعض، عكس اليوم أين صار تكوين في خبر كان، وما يسعنا أن نقول سوى كرة اليد بوهران تسثغيت فمن ينقذها من الوحل يا ترى.
فتحي بروايل بطل التحكيم والتدريب مهندس .. آخر لقب عربي للكرة الصغيرة الوهرانية
عاشت أسرة كرة اليد الوهرانية فاجعة مؤلمة هذه السنة، وذلك عقب انتقال المدرب القدير والحكم الدولي فتحي بروايل إلى الرفيق الأعلى بعد صراعه مع مرض عضال دام خمس سنوات، في صمت رهيب عن عمر يناهز 64 سنة. الفقيد، كان واحد من الحكام الذين شرفوا الجزائر في المحافل الدولية على غرار البطولة العربية للأندية والبطولة الإفريقية للأمم مصر رفقة رفيقه علال نور الدين. حيث سبق لهما المشاركة في العديد من التربصات الدولية في كل من بنين، تونس والبرتغال، لنيل الشارة الدولية. مثلما شرف الكرة الصغيرة الوطنية بتحكيمه للعديد من المباريات على الصعيد المحلي، ليختار بعدها فتحي دخول عالم التدريب عقب تخرجه من معهد أحمد زبانة لتكوين إطارات الرياضة “الكرابس” بعين الترك بوهران، وينطلق مع رحلة التدريب من الفئات السنية لمولودية وهران مع بوخبزة والناخب الوطني مكي جيلالي الذي كان يشرف على الفريق الأول بأرمدة من نجوم كرة اليد الإفريقية والعربية. ثم يتولى عام 1988 زمام الأمور في العارضة الفنية للقلعة الحمراء. ساعده حينها أسطورة كرة اليد الجزائرية عبد الكريم بن جميل الذي كان حينها مدربا ولاعبا، حيث كان الفضل لفتحي لهندسة آخر لقب عربي لفريق مولودية وهران بتونس للأندية البطلة لتتوقف مسيرة الكرة الصغيرة الحمراوية مع الألقاب العربية في تلك السنة كأحسن ثالث فريق عربي على صعيد التتويجات إلى غاية اليوم خلف الترجي التونسي والأهلي المصري. وتكون له تجارب مع جيل جديد في المولودية في حقبة التسعينات على غرار بوعناني، بوزيان، نجال، زندري وغيرها من الأسماء. كما سبق للراحل أن أشرف على المنتخب الوطني في تجربة قصيرة رفقة نور الدين هني، ليقرر عقبها الانتقال للبطولة السعودية أين استمر فيها 6 سنوات كاملة. دخل بعدها أرض الوطن صال وجال شمالا وجنوبا من بوابة أندية واد سلي، مزغران، مغنية وورقلة. مثلما استمر في تكوين الحكام الشباب، ليختار أن تكون آخر أنشطته الرياضية الترويج لحملة استضافة وهران للألعاب المتوسطية 2021 سنة 2015 بعد التفوق على مدينة صفاقس التونسية، التي لعب فيها دور كبير في ترويج لملف وهران في كافة الولايات التي زارتها القافلة الترويجية. ويخوض بعدها فتحي بروايل رحلة طويلة ومعاناة مع المرض أقعده الفراش وأبعده عن الأنظار لقرابة خمس سنوات كاملة، ليوارى الثرى في جو جنائزي رهيب خلف تأثرا لأفراد أسرة كرة اليد الوهرانية خاصة عقب فقدان واحد من أهم مؤطريها على الصعيد الوطني وحتى القاري والإقليمي. كما حضرت جنازته جانفي المنصرم، أبرز وجوه كرة اليد الوهرانية التي عبرت عن مدى تأثرها برحيل الفقيد في صمت رهيب بعد معاناة طويلة مع المرض.
بن حدة