فيما تشكل إعانات الدولة الممول الرئيسي للرياضة … “السبونسورينغ” في مصيدة التسلل؟
إن المعنى العام للتمويل ينصرف إلى تدبير الأموال أو الموارد اللازمة للقيام بالنشاط الاقتصادي، وفي الأصل فإن الشخص يمول أنشطته الاقتصادية من موارده الذاتية ، ولكن في أحيان كثيرة لا تكفي الموارد الذاتية لتمويل هذه الأنشطة خاصة في مجال إنشاء مشاريع وتشغيلها، وهنا يتم اللجوء إلى الغير للحصول على التمويل. إن عملية البحث عن موارد مالية للإنفاق على الأنشطة المرتبطة بالمجال الرياضي أصبحت مشكلة رئيسية لمواجهة متطلبات الأندية الرياضية بصفة عامة ، وللتمويل الرياضي دور مهم لحل المشاكل الموجودة على مستوى الهيئات الرياضية بمختلف أنواعها ، سواء تعلق الأمر بالبيع أو الشراء أو الانتقالات والتبادل.
والنوادي الرياضية الجزائرية كغيرها من النوادي في العالم، تعمل في ظل بيئة تنافسية سريعة التغير و بالغة في التعقيد، مطالبة اليوم في البحث عن مصادر تمويلية جديدة و عدم الاعتماد كلية على إعانات الدولة وهذا يعتبر من المتطلبات الأساسية للدخول في الاحتراف الحقيقي الذي يبنى على أسس علمية صحيحة و ليس على العشوائية و الارتجالية في تسيير الأمور اليومية للنوادي الرياضية.
و حدد القانون الأساسي للنوادي الرياضية للهواة في الباب الثامن “الأحكام المالية”، طبيعة التمويل في النوادي الرياضية، فجاء في المادة 39 من هذا القانون الترخيص للموارد المالية للنوادي الرياضية على النحو كالتالي: اشتراكات الأعضاء والمنخرطين والأنصار ، الإعانات المحتملة من الدولة ، الهبات والوصية ، قسط من نتائج التظاهرات والمنافسات الرياضية ، مداخيل الأملاك الخاصة أوالمتنازل عنها ، مداخيل الأعمال الإشهارية وأعمال الرعاية والدعم والتنقلات المحتملة للرياضيين ، كل الموارد الأخرى المرخص بها من طرف التشريع والتنظيم الساريين المفعول ، لكن الملاحظ أن التمويل في المجال الرياضي يبقى محصورا على أرض الواقع أساسا في البندين الأول والثاني فقط، بينما نجد باقي الموارد المالية ميزة الأندية التي تنافس في المستوى العالي والمراتب الأولى، كما هو الحال مع أندية كرة القدم بالجزائر التي تعنى باقتصاد السوق في ظل دخول الاحتراف منذ سنة 2010 ، فمن المعلوم أن الأحكام المالية المذكورة لا تكفي لأن تشمل المصاريف الثقيلة للنوادي والمساهمين فيها، ما يجعل رؤساء الفرق ، يبحثون عن موارد التمويل البديلة التي لا تتخالف مع التشريع المعمول به .
و يأتي على رأس هذه الأوجه الجديدة جلب التمويل مقابل تثمين صورة مميزة لمتعامل اقتصادي وذلك يتوقف على النتائج المسجلة و الرقعة الجماهيرية للاختصاص الرياضي أو حتى النادي الرياضي الذي يكون حاسما في تحديد الدعم من قبل الممولين الاقتصاديين ، ليبقى السؤال المطروح في الساعة الحالية هل تنظيم وسير الاقتصاد داخل المنظومة الرياضية يحفز و يجبر المتعاملين الاقتصاديين على استثمار الرياضة كناقل إشهاري وتجاري ولا كوسيلة للوصول للمكانة الاجتماعية تجارياُ.
المحيط الرياضي غير ملائم …
و في ظل كل هذا و ذاك يبقى السؤال المطروح ، هل المحيط الرياضي اليوم و في جميع التخصصات صار ملائم و يساعد المتعاملين الاقتصاديين على التقدم و الاستثمار في المجال الرياضي وفق مبدأ سياسة رابح رابح ، كما يتبناها المفهوم الإقتصادي ، كما أن الضبابية في التسيير و عدم تقديم مشاريع واضحة المعالم من قبل المشرفين على الهيئات الرياضية اليوم صار يشجع على عزوف الممولين عن دعم الفرق بصفة عامة ، ناهيك عن غياب النتائج على كافة الاصعدة محليا و دوليا ، فالممول هدف رئيسي من دعم الفرق الرياضية فهو أولا الإشهار لعلامته التجارية وهذا يكون وفق معايير تكون في النادي في مقدمتها اللعب على الأدوار الأولى.
التمويل في كرة القدم جدلية غير مفهومة
اقترحت فكرة الاحتراف لأندية كرة القدم لأول مرة في الجزائر عام 1995 لكنها لم تتجسد، لتعود و تتجسد سنة 2010 بعد التوهج الكروي الذي عرفته الجزائر بعد العودة للمشاركة في كأس العالم للمنتخب الوطني . وأودعت الأندية طلباتها لدى الاتحاد الجزائري لكرة القدم ، والأخير بدوره تقدم بطلب إلى الاتحاد الأفريقي من أجل الانخراط في مسار الاحتراف الذي مس جل الدول الأفريقية والعربية المجاورة، حتى تتمكن أندية الكرة الجزائرية من المشاركة في المنافسات القارية، بحيث ذكرت المادة 78 من الفرع الثاني الخاص بالنادي الرياضي المحترف في القانون 13 – 05 الصادر في 23 جويلية 2013 المتعلق بتنظيم الأنشطة البدنية والرياضية وتطويرها ، أن النادي الرياضي المحترف شركة رياضية ذات هدف رياضي ويمكن أن تتخذ أحد أشكال الشركات التجارية، مثل مؤسسة ذات شخص وحيد رياضية ذات مسؤولية محدودة أو شركة رياضية ذات مسؤولية محدودة، أو شركة رياضية ذات أسهم، على أن تسير بأحكام القانون التجاري، بينما تشير المادة 79 إلى أن النادي الرياضي المحترف يهدف إلى تحسين مستواه التنافسي الاقتصادي والرياضي عبر مشاركته في المنافسات مدفوعة الأجر وتوظيف رياضيين مقابل أجرة وممارسة الأنشطة الرياضية المرتبطة بهدفه و هنا يأتي مربط الفرس الذي أدخل العديد من الفريق سواء التي تعتبر شركات خاصة أو المستفيدة من تمويل شركات وطنية في دوامة من المشاكل و ديون بل حتى النزاعات داخل أروقة الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفاف”.
فرغم الملايير التي تصرف على الساحرة المستديرة من تمويل مباشر من إعانات الدولة أو حتى من متعاملين إقتصاديين ، إلا أن المنظومة الكروية تبقى تعاني ماليا و لعدة أسباب في مقدمتها التسيير العشوائى و غياب سياسة واضحة للتسويق داخل المنظومة الكروية ما عدا الإتحادية الجزائرية التي عرفت كيف تبني أسس سليمة للتسويق منذ تأهل المنتخب الوطني للمونديال سنة 2010 و ولوج عالم الاحتراف ، ثانيا عدم الاعتماد على التمويل الذاتي خاصة في التكوين الذي يتغير المصدر المالي الأول للفرق كما هو منصوص عليه قانونيا ما عدا نادي بارادو الذي يتغير رائدا في مجال التسويق الرياضي لمنتوجه البشري من خلال احتراف العديد من الأسماء نحو أوروبا و في مقدمتها لاعب المنتخب الوطني رامي بن سبعيني.
كل هذا يفرض على القائمين على شؤون كرة القدم الجزائرية فتح ورشة كبيرة لتنظيم و ترتيب كل ما يتعلق بتمويل الأندية و التسويق لمنتوجها و علاماتها أبرزها شعار النادي و هي أبرز التحديات التي رفعها رئيس الإتحادية الحالي وليد صادي.
الرياضات الأخرى معاناة ما بعدها معاناة…
و بعيدا عن كرة القدم فالرياضات الأخرى سواء تعلق الأمر بالجماعية أو الفردية فإن مصطلح التمويل يكاد ينعدم عندها إلا في حال تحقيق نتائج عالمية و بإيعاز و تدخل مباشر من السلطات ، فتحن المؤسسات التجارية على دعم النادي أو الرياضي في تحضيراته تحسبا للاستحقاقات الدولية ، على غرار بطولات العالم و الألعاب الأولمبية و عليه صارت رياضات حققت إنجازات تاريخية للجزائر تعاني اليوم من مشاكل مالية جمة و مهددة بالاندثار لولا دعم السلطات.و هنا ضروري فتح قوس كبير حول تكثيف الترويج للرياضات و تسليط الأضواء عليها بهدف إقناع الممولين الاقتصاديين على دعم الرياضة بصفة عامة و ليس كرة القدم فقط.
“موبيليس” الراعي الرسمي للرياضة في الجزائر
لا يمكن الحديث عن الشركاء الرئيسيين للرياضة الجزائرية دون الحديث عن مؤسسة وطنية رائدة في هذا المجال على غرار شركة “موبيليس” التي كانت الشريك الوفي للرياضة الجزائرية من خلال مرافقتها للمنتخب الوطني الأول ، فضلا عن دعمها و تمويلها للرابطة المحترفة الأولى لكرة القدم ، دون نسيان عقود الرعاية المبرمة مع 24 اتحادية رياضية أولمبية، منذ سنة 2020 . هذه العقود انبثقت عن الاتفاقية الإطار الممضاة بين وزارة الشباب والرياضة و الوزارة الوصية، والتي تهدف إلى تجسيد قيم التعاون وتعزيز المنشآت وشبكات الاتصال الإلكترونية وكذا ترقية الحركة الرياضية الوطنية ومرافقة رياضيي النخبة، سعيا للتحضير الأمثل للاستحقاقات الرياضية الوطنية والدولية لا سيما الألعاب الأولمبية القادمة في باريس ، كما كانت شركة “موبيليس” حاضرة وبقوة في دعم التظاهرات الرياضية التي نظمتها الجزائر على غرار الألعاب المتوسطية بوهران في 2022 و بطولة إفريقيا للاعبين المحليين “الشان” مطلع العام الجاري ، فضلا عن كأس أمم إفريقيا للناشئين أيضا و الألعاب العربية التي عاد عجلتها للدوران من بوابة الجزائر الصيف المنصرم بعد توقفها منذ سنة 2011 أين كانت آخر نسخة بقطر ،
لتبقى “موبيليس” وفية وملتزمة دائما بمساندة الرياضيين والرياضة الجزائرية كونها الراعي والرفيق الأول للرياضة في الجزائر، تهدف دوما إلى النجاح وتحقيق الريادة في كل المجالات ، كل هذه الالتزامات مع الرياضة الجزائرية ، لم تمنع هذه المؤسسة الوطنية في شراء أسهم نادي عريق في الساحة الكروية على غرار 8 فرق أخرى في رابطة المحترفة الأولى ألا و هو شبيبة القبائل لتؤكد “موبيليس” أنها شريك الرياضة الجزائرية و بامتياز.
“توسيالي” و “التغليف المغاربي” و “هيبروك” الإستثناء في وهران
تعد وهران قطبا اقتصاديا و رياضيا في آن واحد إلا أن العملان لم يجتمعا في عاصمة الغرب الجزائري ، رغم المتعاملين التجاريين و المناطق الصناعية الكبرى المتواجدة في الولاية على غرار منطقة الصناعية النفطية بأرزيو و المناطق الصناعية في مختلف المجالات الأخرى في شاكلة وادي تليلات ، السانية ، الكرمة ، حاسي عامر و غيرها تبقى فرقها الرياضية هي أكبر المتضررين و ذلك في ظل عدم نليها و لو قطرة مما تجنيه هذه المؤسسات التجارية ، ففي أرزيو مثلا انهار الأولمبي العريق الذي كان يصنع أفراح كرة القدم الرزيوية إلى الجهوي الأول و ذلك لدخوله في مشاكل مالية عويصة و هجرة الممولين الذين كانوا يدعمونه في وقت سابق ،
و في ذات البلدية صار من الصعب على ترجي أرزيو لكرة اليد و الرائد في كرة الطائرة لعب الأدوار الأولى في البطولة و ذلك لغياب دعم الممولين لتبقى هذه الفرق حية بدعم السلطات المحلية و الأمر نفسه ينطبق على نصر السانية في كرة القدم ، لكن ذلك لم يمنع مؤسسات اقتصادية قوية في دعم الفرق الوهرانية على غرار شركة “هيبروك” للنقل البحري التي صارت اليوم المالك لفريق مولودية وهران و هي الخطوة التي تنفس على إثرها أنصار مولودية وهران الصعداء و ذلك بعد التحاق الشركة النفطية بالفريق على أمل أن يتم ترتيب البيت بداية من هذه السنة و تعود المولودية لسابق عهدها ، أما شركة “توسيالي” للحديد و الصلب الكائنة ببلدية شهايرية واصلت في دعمها للجمعيات و النوادي الرياضية ،
فبعد أن رافقت المولودية في السنوات الأخيرة ها هي تتحول اليوم في دعم الفرق المجاورة و بمبالغ قيمة على غرار المدرسة جمعية وهران و نادي أولاد الباهية للجيدو الذي أبرمت معه شركة “توسيالي” عقد رعاية لأول مرة هذا الموسم ، كما تعد شركة التغليف المغاربي من بين المؤسسات العريقة في الجهة الغربية التي طالما دعمت فرق كرة القدم و الجيدو بالجنة الغربية شأنها شأن “كالمي” للعتاد الرياضي التي تقدم مساعدات لشتى الفرق بالجهة الغربية.
أولاد الباهية فريق الأحلام في منظومة الجيدو الجزائري
ربما تنطبق عبارة فريق الأحلام على رياضتي كرة السلة و كرة القدم ، لكن اليوم و بالجزائر صار معمول بها من خلال ما يصنعه فريق فتي و حديث النشأة ألا و هو نادي أولاد الباهية للجيدو الذي بفضل نتائجه صار يظفر بعقود رعاية مهمة فبعد نجاح مسيريه في نيل تمويل شركة التغليف المغاربي في البطولة العربية سنة 2019 ، ها هو نادي أولاد الباهية يعود ليظفر بعقد رعاية مع شركة “توسيالي” كل هذا يرشحه للعب الأدوار الأولى في مختلف المنافسات الخاصة بالجيدو.
مولودية وادي تليلات في منطقة صناعية ضخمة و لكن…
وبعيدا عن الدعم و تمويل الفرق بوهران يبقى نادي مولودية وادي تليلات لكرة اليد و منذ صعوده إلى القسم الممتاز سنة 2019، يحقق أفضل بداية له على الإطلاق هذه السنة و يسير لتحقيق أفضل موسم له، و بعد صراع على ضمان البقاء بشق الأنفس في السنوات السابقة، تغير الهدف هذا الموسم إلى مقارعة الكبار و مزاحمة أفضل الفرق الجزائرية على المراكز الأولى و كل هذا مع شح كبير في الإمكانيات،
حيث أن النادي يعيش على إعانات غير كافية من البلدية و مديرية الشباب و الرياضة، مقابل أضعاف من النفقات يتحملها رئيس الفرع زمالي مفتاح عبد الحق الذي يهدد برمي المنشفة من أسبوع إلى آخر بسبب الوضعية المادية الصعبة التي يعيشها الفريق، و هو الذي يضع إمكانياته الخاصة تحت تصرف النادي و الأمر الغريب في بطولة القسم الممتاز هذا الموسم، هو أن الفرق التي واجهها نادي مولودية وادي تليلات هذا الموسم تملك ممولين و علامات لرعاة على أقمصتها، في حين لا تزال الأمسيوتي تسير وحيدةً و تصارع الكبار دون أي ممول رسمي ما سيجعل حياة الفريق في القسم الممتاز مهددة بالزوال.
فصحيح أن نادي مولودية وادي تليلات كان ممثلا لمدينة وهران في القسم الممتاز لكرة اليد، لكن اليوم بات ممثلا للجهة الغربية بأكملها، باعتباره النادي الوحيد في المجموعة الثانية الذي يحمل لواء الغرب و رغم أنه نادي ذات طابع بلدي إلا أنه اليوم ينافس ولايات و أندية كبيرة في صورة مولودية الجزائر، شبيبة سكيكدة، مولودية و شباب برج بوعريريج، شبيبة الساورة و غيرها من الأندية، و مع هذا لم يستحق و لا التفاتة ليُمنح له ممول يرفع عنه الغبن الذي يعانيه.
منير.ب