هل تكفي الموهبة للنجاح في كرة القدم … لعبة الفقراء التي سرقها الأغنياء..
مع كل انطلاقة موسم كروي جديد يتزايد الحديث هنا وهناك عن المواهب الكروية التي لم تنل فرصتها بالانضمام إلى أندية محترمة تسمح لها بشق طريقها في عالم المستديرة، حيث أصبحت مرحلة القيام بالتجارب في بعض الأندية بمثابة الحلم، وهذا حتى لو توفرت كامل الشروط في بعض اللاعبين الصغار. وهذا بسبب ما تعيشه كرة القدم المحلية من فساد داخلي، حيث أصبح في بعض الأحيان المسؤول والمدرب يفضلون أبناء “المعريفة” والذين يملكون آبائهم المال، ليبقى الشاب الفقير الذي لديه موهبة وإمكانيات كبيرة يعاني من هذا الظلم، فتتحطم أحلامه وتقل عزيمته ليتجه إلى طريق آخر وقلبه مليء باليأس، ليتجه ربما نحو طريق الآفات الاجتماعية، وتضيع هكذا موهبته للأسباب السابقة الذكر.
عندما يضع التهميش و”الحقرة” حدا لحلم اللاعبين الصغار
تعد لعبة كرة القدم من أكثر اللعب شعبية وأكثرها متابعة في العالم. كما عرفت كرة القدم أنها لعبة الفقراء لأنها لا تحتاج إلى الأموال لممارستها أو مشاهدتها على عكس بعض الرياضات مثل التنس والغولف. فأي شخص يملك الموهبة باستطاعته أن يمارس هذه اللعبة الممتعة، وهي لا تكلف شيئاً لأن الكرة قديماً كانت كومة قماش ولاحقاً تباع بثمن زهيد، ولكن الحلم سرق من الفقراء. اللعبة سرقت منهم والكرة خطفت من أقدامهم وباتت دجاجة تبيض ذهباً للأغنياء، ولك أن تتجول في أغلب الملاعب خلال المباريات الرسمية للفئات الشبانية حتى تتأكد من التمييز الذي للأسف الشديد يعتمد عليه البعض، لدرجة أن سؤال “شا يخدم بوك؟” أصبح يطرح بشكل عادي خلال بعض عمليات التجارب الخاص بالفرق. وهو الأمر الذي يندى له الجبين.
بوغرارة الشيخ (الطبيب النفسي السابق بمولودية وهران):“بعد التهميش يلجأ الشباب إلى الآفات الاجتماعية”
في ذات الموضوع، تحدث الطبيب النفسي السابق لنادي مولودية وهران، بوغرارة الشيخ عن المشاكل التي قد يتسبب فيها تهميش المواهب الشابة حيث قال: “يعاني الكثير من اللاعبين الشباب من التهميش وهذا ما يؤثر كثيرا في نفسية هؤلاء الشباب، حيث يتمثل التأثير النفسي في تغير السلوك ويشعر الشاب بنوع من الاحتقار فيصبح مزاجه مضطرب وانفعالي، حيث يتوجه تفكيره في الهجرة وركوب قوارب الموت، بسبب فقدان الشغف والرغبة في ممارسة الرياضة. لهذا يلجا الكثير من الشباب إلى تعاطي المخدرات، فقدان الثقة بالنفس وهذا ما ينتج عنه مختلف الآفات الاجتماعية”.
محمد بلخير بافضل (خبير في القانون الرياضي):“دفتر الشروط عند النوادي المحترفة يفرض عليها استحداث مراكز التكوين”
في حديث خاص مع جريدة بولا الرياضية حول موضوع التكوين وتضييع الكثير من المواهب الشابة، تحدث خبير القانون الرياضي، قال الأستاذ محمد بافضل بلخير عن الالتزامات التي تفرض على الأندية الرياضة حينما أكد: “التكوين واكتشاف المواهب الشابة وصقلها حسب قانون الرياضة يعتبر التزام يقع على عاتق كل الأندية بمختلف أشكالها. في اعتقادي فإن دفتر الشروط الخاص بالأندية المحترمة يفرض على النوادي استحداث مراكز تكوين وفتح الفرص أمام أكبر عدد ممكن من الشباب. كما أن اللوائح الخاصة بالمنافسات تفرض وجود فريق رديف متشكل من الشبان فقط. بالإضافة لذالك فإن ذات اللوائح كانت تفرض على أي نادي إقحام عدد معين من الشبان خريجي النادي وتسجيلهم في فئة الأكابر للنادي المحترف.”
ربيع بودربالة (مدرب فئات شبانية):“لاعب موهوب طُلب منه مبلغ 30 مليون سنتيم للتوقيع مع النادي”
أعرب المدرب ربيع بودربالة الذي يدرب الفئات الشبانية في أكاديمية جيل يغموراسن عن أسفه الشديد لما تعيشه المواهب الشابة من تهميش وضياع حيث قال: “مشكل ضياع المواهب الشابة هو مشكل يتحمله أولياء اللاعبين لأنه مثلا هنا في وهران الوالد يحب ابنه أن يلعب في مولودية أو جمعية وهران، ويهمل الجمعيات الرياضية والنوادي الأخرى، مع العلم أن هذه الجمعيات حاليا تعمل أحسن من الفرق الكبيرة، لذا يجب على اللاعب البداية من المستويات الدنيا والارتقاء إلي المستوى العالي. ويجب أن يكون لها الوقت الكافي لتبرهن على إمكانياتها الفردية والجماعية التكتيكية عن طريق عمل في التدريبات والمقابلات والاحتكاك مع المنافس. هذا ما لا يتاح لهم في الفرق الكبيرة لأن كل شيء محسوم في بداية موسم لأن ابن “فلان” هم من يمثلون النادي ويلعبون طيلة الموسم. ففي وقت سابق، كان عندي لاعب شاب موهوب أجرى تجارب في أحد الفرق البارزة وتم قبوله أثناء التجارب ولكن طلب من والده مبلغ ثلاثون مليون حتى يوقع مع النادي. أيعقل هذا..؟ أتمنى من السلطات التدخل ومراقبة هؤلاء الناس الدخلاء على الميدان.”
قاضي معاد (مدرب):“سوء التنظيم في الأندية والجمعيات أدى إلى ضياع العديد من المواهب”
“المشكل في ضياع المواهب وعدم وصول أغلب الأندية الكبيرة لتحقيق تكوين قاعدي سليم، هو عدم وجود الرجل المناسب في المكان المناسب لكي تنجح الأكاديميات. السلطات مطالبة برقابة الجمعيات والأندية الرياضية، في وقت يوجد مدربين ذو شخصية وكفاءة لكنهم يبقون مهمشين أمام الدخلاء على الميدان. فكيف تنجح مدارس التكوين والفرق والمدربين والمربين ذو الكفاءات خارج المجال؟ مشكل ضياع المواهب ليس موجود فقط في الأندية الكبيرة. ضياع الموهبة لا يتوقف عند عدم قبول اللاعب في تجارب الأندية الكبيرة. المشكل أصبح تنظيمي أكثر من هو شيء آخر.”
تغطية: نبيل شيخي /إعداد: محمد عمر
تصوير: عبد الكريم مكالي