الصحافة الرياضية هي إحدى الفضاءات الإعلامية التي يتنفس من خلالها القارئ لأن الرياضة موجودة في المجتمع و كلما تحدثنا عن الملاعب و القاعات و اللاعبين و المدربين و مشاكلهم و يومياتهم و مستجداتهم هنالك أقلام لا تنام ، تبحث باستمرار عن الجديد لتقدمه للقارئ في طبق إعلامي شهي .و لتسليط الضوء عن مهنة الصحافة الرياضية جريدة “بولا” حاورت الباحث الأستاذ الجامعي المختص في الإعلام و الاتصال السيد زنوحي محمد الأمين من جامعة وهران الذي يملك خبرة طويلة في مجال الصحافة الرياضية ، و رغم جملة المشاكل التي واجهته في عالم الصحافة الرياضية تحدى الواقع ليكون اسمه موجودا يوميا على أوراق الجرائد.
أولا كيف كانت أولى خطواتك لولوج عالم الصحافة؟
” انطلقت بدايتي الأولى مع الصحافة منذ التحاقي بكلية الإعلام والاتصال بجامعة وهران سنة 2002 حيث كانت لي تجربة دخول مقر جريدة ” الرأي ” سابقا والاحتكاك بجملة من الصحفيين والمراسلين، وتأثرت كثيرا باحترافية هذه الجريدة وطريقة عمل صحفييها خاصة في وجود أقلام محترفة كالدكتور عمار يزلي وحبيب راشدين وغيرهم. وبعد مدة قصيرة التحقت بجريدة “الوصل” وأنا طالب بالجامعة، فكنت مراسلا للجريدة من ولاية معسكر واستطعت في ظرف قياسي خلق قراء لقلمي والاحتكاك بالمسؤولين داخل الولاية وتغطية كل النشاطات حتى الرياضية والفضل يعود للصحفية ” ليلى يحياوي” التي كانت مسؤولة قسم المجتمع بالجريدة، وكذلك مراسلة جريدة “الرأي” فريدة العرجة من مدينة سيق معسكر التي فتحت لي الأبواب”.
ما هي أهم المحطات الإعلامية التي اشتغلت بها؟
” عملت بجريدة “الوصل” لمدة ثلاثة سنوات، ثم تنقلت للعمل في عدة جرائد منها ” الجمهورية ” لمدة قصيرة ثم استقريت في جريدة “أجواء الملاعب” التي كان توزيعها آنذاك جهويا، بعدها تنقلت لجريدة “صدى وهران” التي عملت لها لأكثر من عشر سنوات، كما كنت متعاونا مع إذاعة معسكر للقسم الرياضي و مسؤول الإعلام و الاتصال في عدة جمعيات رياضية و سياحية و ثقافية و مسؤول إعلام بعدة مؤسسات اقتصادية خاصة في مجال السياحة ، و عملت أيضا كمتعاون مع جريدتي “منبر القراء” و”الكرة” المختصتين في كرة القدم ، و بفضل هذه الأخيرة لمست الديناميكية الموجودة في هذه الرياضة الشعبية و لمست عن قرب الكم الهائل من القراء، و أصبحت صحفيا مميزا في المحيط الذي كنت أعمل به خاصة أن المنافسين لي كان أغلبهم من الدخلاء على المهنة و لا يفقهون فنيات التحرير في كتابة المقال الصحفي”.
ماذا عن تجربتك الصحفية مع جريدة “الخبر الرياضي” التي اختفت عن الساحة؟
” التحقت بجريدة الخبر الرياضي سنة 2010 حيث اختارت الجريدة مراسليها وصحافييها على أساس أن يكونوا من خريجي الجامعة وذوي تجارب في ميدان الصحافة، وتجربتي في هذه الجريدة يمكن القول إنها كانت محترفة عن سابقيها لأن الاتصال الداخلي داخل هذه المؤسسة كان جادا للغاية بداية مع المكاتب الجهوية. وكان دخولي إلى عالم الإعلام الرياضي قويا جدا لأنها كانت جريدة وطنية، وبفضل هذه الجريدة أصبح لي قراء كثر في الجزائر والفضل يعود أيضا لمدير النشر آنذاك عدلان حميدشي (المدير الحالي لجريدة المحترف) ورئيس القسم الجهوي بوهران فوزي زمور”.
ما هو سببك اختيارك للكتابة في القسم الرياضي؟
” لسبب الرئيسي للكتابة في القسم الرياضي هو تفادي الضغط الكبير الذي يلاحق الصحفي في القسم السياسي و الاجتماعي، فالقارئ لا يدرك أن صاحب المقال يبذل جهدا كبيرا في كتابة المقال و ممنوع عليه الخطأ في المعطيات خاصة الحساسة منها، و بعد تجربة أدركت أن الضغط سيكون كبيرا علي شخصيا و على عائلتي ، لهذا وجدت راحتي في القسم الرياضي، رغم أن التعامل مع أشخاص في عالم كرة القدم ليس بالأمر الهين، كما أن الجمهور الرياضي في الجزائر ديناميكي مع الفرق التي يشجعها، و الضغط يبقى مستمرا على الصحفي و المراسل ، و أنا بكل صراحة أجد راحة كبيرة في القسم الرياضي نظرا لوجود ضخ كبير و يومي للمعلومات تستطيع أن تنتج منها مقالات رائعة للقراء و تكسب الكثير من الأمور و تمنح منبرا للاعبين و المدربين و رجال الخفاء في الفرق لإبداء آراءهم و طرح انشغالاتهم و مشاكلهم. ولحد الساعة منذ 2010 لم أتلقى أي مشاكل في القسم الرياضي مقارنة بالسابق لكن في واقعنا الصحفي الموضوعي والمحايد يلقى الكثير من الضغط وهذه هي مهنة المتاعب”.
كيف ترى واقع الإعلام في الجزائر؟
” الإعلام في الجزائر يمر بمرحلة حساسة جدا خاصة ما بعد الحراك السياسي لأن الصحافة الوطنية ولدت في حضن ريع الدولة من الوكالة الوطنية للإشهار و لم تخلق لنفسها مستقبلا أفضل بالبحث عن الإشهار الخاص، و تعزيز مقروئيتها بالاعتماد على الأقلام الثقيلة و تنافس الجرائد القوية و تضع استراتيجية للبقاء على المدى المتوسط و الطويل، لكن ما لمسناه مؤخرا اختفاء بعض الجرائد من الساحة بسبب الضائقة المالية ، و هنالك جرائد أعرفها لم تسدد مستحقات صحافييها و مراسليها منذ مدة ، و حتى الإعلام السمعي البصري يعاني هذه الأيام، لهذا حان الوقت أن تضع الوصاية أي السلطة خطة جديدة لإنقاذ الساحة الإعلامية من الضياع و الإفلاس ، و كلما اختفت الجرائد والأقلام فالواقع ينذر بمستقبل مجهول لأن الصحافة جزء من المجتمع وهي إحدى أسس الديمقراطية”.
هل لديك الرغبة في التنقل إلى العمل في ميدان آخر غير الصحافة المكتوبة؟
” هذه الرغبة تحققت باكرا لأنني تأكدت منذ التحاقي بالصحافة أن الراتب الشهري الذي أتلقاه لا يبني مستقبلا أفضل و المكانة التي فرضت بها نفسي في المجتمع لا تجني أموالا، فمارست مهنة أخرى حرة حتى أحقق الاكتفاء الذاتي و أعيش محترما في بيئة ديناميكية .الصحافة مشوار متواصل لدراستي و أعشق هذه المهنة واستطعت بفضلها بناء مستقبل أفضل لي و لعائلتي، لكن لن أترك الصحافة لأنني نجحت بفضلها و كسبت علاقات واسعة داخل الجزائر و خارجها ويبقى حلمي إتمام مشروع نيل الدكتوراه بالجامعة في الإعلام و الاتصال و أنا في سن 36 سنة و تقديم تجربتي و خبرتي الميدانية المتواضعة للطلبة الجدد في عالم الصحافة”.
ما تعليقك على الأرقام المذهلة التي كشفتها الوكالة الوطنية للإشهار “أناب”؟
“بالنسبة لي هذا الأمر لا حدث لأن الصحافة في الجزائر ولدت في حضن السلطة منذ الاستقلال ، فهي تعتمد على ريع الدولة و معروف في كل دول العالم أن لكل جريدة أو منبر إعلامي خط سياسي واستراتيجية خاصة يجني بها دعم الجهات التي ينحاز إليها . فالإعلام بيئة مفخخة و لم يكن بريئا في كل المجتمعات، حتى في الدول المتقدمة ،كلما تجد منبرا إعلاميا هنالك دعم مكشوف و آخر خفي ،و ربما هذه الأرقام لا شيء أمام الأموال التي كانت تحت الطاولة كذلك هنالك عناوين نعرفها لم يتم تسليط الضوء عليها ،و كم كان نصيب الجرائد العمومية من نصيب ريع الدولة ؟مع العلم أن كل الأموال المذكورة هي من خزينة الدولة تأتي للوكالة الوطنية للإشهار عن طريق البلديات والإدارات العمومية و المؤسسات الوطنية و لها نصيب منها ، فلماذا وجود كل هذه الإجراءات و ترك الصحافة تسترزق مباشرة من المؤسسات عن طريق دفتر شروط للإشهار و تقديم الإشهار لأحسن عرض أو أقل عرض و هكذا نختصر المسافة و نفتح المنافسة الشرعية للجرائد للبحث عن مكاسبها المالية و نحافظ على المال العام . هذه القضية شائكة وتحتاج لتدخل قوي من السلطة وأولها تنظيم سوق الإشهار والصحافة”.
هل ترى مستقبلا أفضل للصحافة الجزائرية؟
“مستقبل الصحافة الجزائرية غامض للأسف في ظل التطورات الجديدة على الساحة السياسية ، و ما يحز في نفسي أكثر غياب و رحيل أقلام ثقيلة من الفضاء الإعلامي اختارت الاختفاء في وقت الذروة ، نحتاج اليوم أن يتكلم الجميع دون انحياز حتى نبني مستقبلا أفضل للجزائر ، نريد أن نستفيد من خبرة الجميع و أنا كمختص في الإعلام و الاتصال أقول في نفسي دائما لماذا لم نصل للعالمية رغم كل هذه السنوات ؟ لماذا لا نؤثر على المنطقة بإعلامنا ونحن السباقون في تحرير الصحافة؟ لماذا تأخرنا عن الكوكبة وبعض الدول تمركزت في الصحافة الإلكترونية؟ اليوم نحن أمام تحدي صعب إما الخروج من عنق الزجاجة بسلام والبحث عن تواجد إعلامي في المنطقة أو الاندثار وطغيان الرداءة وخسارة مكسب السلطة الرابعة في بناء الدولة. الصحافة الجزائرية لها تاريخ فيجب أن يكون لها مستقبل أفضل”.
ما تقييمك للأداء الإعلامي لجريدة “بولا”؟
” أكون سعيدا كلما يولد مشروع إعلامي جديد في الساحة الوطنية لأنني أدرك الصعوبات التي يمر بها أصحاب هذه المشاريع ، و الواقع على الميدان صعب و أمام هذا الوضع في ظل التقشف و جائحة كورونا أشعر بالمشاكل التي تمر بها الجرائد الوطنية وبكل صراحة جريدة “بولا” تتحدى الصعاب لتبقى في الساحة الإعلامية و لا تختفي من الأكشاك و قرائها ، و أنا كمتابع يومي للجرائد الوطنية لمست احترافية لجريدة “بولا” في طريقة الإخراج الفني ،على مستوى الصفحة الأولى و بعض الصفحات و خلق فضاءات جديدة في أقسامها كصفحة “زوووم” و صفحة “حطها في فالقول يا رياض “والاهتمام أيضا برياضات أخرى إضافة لكرة القدم و حتى في الحوارات تلمس قيمة المراسلين الصحفيين من خلال طريقة تقديم الأسئلة و معالجة المواضيع. أراه مشروعا إعلاميا رياضيا ناجحا.”
كلمة أخيرة؟
” آمل أن ترتقي الصحافة الجزائرية لدرجة عالية و يستمر دعم الدولة للإعلام بكل أنواعه ، لأن الإعلام الجزائري ولد بدعم الدولة و تربى على هذه السيرة، و أنا أرى أن الجرائد إذا وفرت مناخا أفضل لصحافييها و مراسليها و ضمنت لهم رواتب شهرية محترمة و امتيازات ، سيتطور أكثر هذا الحقل و كل هذا بالاحترافية و طرد الدخلاء على المهنة و قطع الطريق أمام “الشيتة” و الرشوة المقننة في الصحافة، فالكم لا يهمنا بقدر القيمة فكل جريدة نريد أن يكون لها قيمة عند قرائها و نبني صحافة مستقلة أفضل مع البحث عن الإشهار الخاص ، و رأس مال أي جريدة قراؤها . وفي ظل التطور السريع للتكنولوجيا حان الوقت أن تتواجد الصحافة الجزائرية في الفضاء الافتراضي وبقوة لأن جيل الأنترنت مستهلك مفرط للمعلومة”.
حاوره: سنينة مختار