تحقيقات وروبورتاجات

الكرة الجزائرية في شهر رمضان …. “الخضر” عرفوا الحلو والمر في الشهر الفضيل وسهرات رمضانية خالدة في أذهان الجزائريين

مع بزوغ هلال شهر رمضان المعظم من كل عام، تُثار عبر كافة أقطار العالم الإسلامي مشكلة معاناة الرياضيين جراء الصيام، ومدى قدرتهم على تقديم المُراد منهم أثناء ساعات النهار وحتى خارجها، لكن يبقى الإشكال الأكبر في المباريات التي تخوضها المنتخبات الوطنية على الصعيد الدولي، القاري والإقليمي فضلا عن الأندية في المسابقات الخارجية، وهي تحديات تعتبر شهر الصيام كسائر أيام السنة، وهنا حاولنا العودة بالزمن إلى أهم التحديات التي واجهت “الخضر” إلى جانب الأندية الوطنية أثناء تمثيل الوطن خلال شهر رمضان، حيث وجدنا أحداثا وأحداث وقفت في طريق حاملي الراية الحمراء-البيضاء-الخضراء، والمفاجئ أن جُلها إيجابي وإن كانت ذكريات المونديال أثناء الصيام تقول غير ذلك.

رمضان 1982… رمضان هّل بعد ملحمة خيخون و”وسواس” الإفطار كان سبب الإقصاء

بالتأكيد هي أكبر الصدف المطبوعة في تاريخ المنتخب الوطني، فقد تصادف أول مونديال يتأهل إليه “الخضر” مع شهر رمضان المعظم، إذ دخل الشهر الكريم بعد أيام فقط من أبرز انتصارات الكرة الجزائرية على حساب ألمانيا الغربية بـخيخون الإسبانية، ورغم الأداء الرائع للعناصر الوطنية أمام أكبر قوة كروية في العالم حينها، خرّت قليلا القوى بداية من اللقاء الثاني أمام النمسا، وقد كان لفتوى الإفطار في رمضان وقع سيء على زملاء بلومي وماجر نتيجة للوازع الديني الشديد آن ذاك.

اللاعبون تأثروا بالجدال حول الإفطار والثمن كان ثنائية النمسا

فاجأت الجزائر العالم في مونديال إسبانيا 1982 نتيجة لتذبذب المستوى غير المُفسر إطلاقا، فـ”الخضر” حينها أعطوا مثالا للتحدي أمام رفقاء شوماخر ورومينيغي، قبل أن يسقطوا بثنائية النمسا الشهيرة في اللقاء الثاني، وقد أعطيت للاعبينا حينها فتوى واضحة تجيز لهم الإفطار كون تمثيلها للوطن يوضع في خانة الجهاد، بيد أن عددا من اللاعبين لم يعيروها اهتماما في بادئ الأمر ليحدث جدالا غير معلن نتيجة لتأنيب الضمير الذي انتاب بعض العناصر الوطنية رغم جواز الإفطار.

“الوسواس” تابع لعبته وكاد يفعلها أمام الشيلي

في ثالث لقاءات المنتخب الوطني في مونديال إسبانيا، اختلطت مشاعر عديدة على حاملي الراية الوطنية، فالشعور بالذنب تغلغل لمن سمع لفتوى إباحة الإفطار، في حين رأى من أصر على الصيام أن الإفطار بات لازما، وهنا كادت تحدث المعضلة الكبرى في الشوط الثاني أمام الشيلي، فعقب شوط أول استثنائي تقدم خلاله “الخضر” بثلاثية نظيفة عبر كل من عصاد (ثنائية) وبن صاولة، تراخت الجهود بشكل لا يصدق في المرحلة الثانية وكادت الشيلي أن تعود في النتيجة لولا إخفاقها في إضافة هدف ثالث لثنائيتها.

جزائريون اعتبروا فضيحة ألمانيا والنمسا انتقاماً ربانياً

أمام الوازع الديني الكبير جدا لدى الشعب الجزائري سنوات الثمانينات، لم يجد المستاؤون من الإقصاء سوى تعليقه على شماعة إفطار اللاعبين في مباراتي النمسا ثم الشيلي، حيث لم يتقبل كثيرون أن يخرج المنتخب الوطني من الدور الأول، بالرغم من أن العالم أجمع يعرف جيدا أن فضيحة ترتيب المباراة الشهيرة بين النمسا وألمانيا كانت السبب الرئيسي في إعدام جيل ملحمة خيخون، كان رأي “الانتقام الرباني” مسموعا للغاية خاصة وأن إفطار اللاعبين في شهر رمضان كان جديدا على الشعب الجزائري حينها.

رمضان 2000… رفقاء دزيري يوقفون رومانيا

استضاف المنتخب الوطني في سهرة رمضانية باردة، منتخب رومانيا ودياً في اللقاء الأول الذي أقيم في 5 من ديسمبر وانتهى لمصلحة رفقاء حاجي بواقع (3ـ2)، قبل أن يتواجه المنتخبان للمرة الثانية بعد 3 أيام من المباراة الأولى، ليتمكن رفقاء دزيري من الفوز هذه المرة وبنفس النتيجة (3ـ2) بأهداف كل من دزيري، مفتاح وجاب الخير. الجدير بالذكر أنّ المنتخب الروماني كان يدربه آنذاك لازلو بولوني المدرب المعروف.

رمضان 2001… زياني يبهر جمهور 5 جويلية بألوان تروا الفرنسي

كانت المباراة ضمن رزنامة المنتخب الوطني التحضيرية للمشاركة في كأس إفريقيا 2002 في مالي، واحتضن ملعب 5 جويلية المواجهة التي انتهت بفوز “الخضر” بواقع (2ـ1) بثنائية أكرور، في حين أمضي جوكيتش هدف تروا الوحيد، هذا وأبرز ما ميز اللقاء، الظهور الأول لكريم زياني صاحب 18 ربيعا آنذاك أمام الجمهور الجزائري، حين أقحم بديلا في تشكيلة تروا، زياني أبهر كل من حضر إلى ملعب 5 جويلية، ليمضي بذلك على شهادة بزوغ نجم جديد في سماء الكرة الجزائرية.

رمضان 2003… أشبال سعدان يُمتعون الحضور في 5 جويلية بسداسية في شباك النيجر

في منتصف شهر نوفمبر من عام 2003 والذي وافق حينها شهر رمضان المبارك، لعب المنتخب الوطني لقاء الإياب من الدور التصفوي المؤهل إلى نهائيات كأس العالم بألمانيا 2006، عندما استضاف النيجر على ملعب 5 جويلية الأولمبي وكان قبلها قد فاز ذهابا بفضل هدف منصور بوتابوت، وحقق “الخضر” فوزا عريضا على حساب النيجر بوقع نتيجة ست أهداف نظيفة، سجل آنذاك كل من بوتابوت وعبد المالك شراد ثنائية فيما تكفل معمر ماموني ونسيم أكرور بإضافة الهدفين الآخرين، وأمتع أشبال المدرب رابح سعدان الحضور في مدرجات 5 جويلية بأداء جميل وبنتيجة تاريخية.

أحد أكبر الانتصارات في تاريخ الكرة الجزائرية

وإذا كان تأهل “الخضر” سهلا إلى المرحلة الأخيرة من تصفيات مونديال 2006، فإنّ زملاء شراد سجلوا أحد أكبر الانتصارات في تاريخ الكرة الجزائرية، وبعدما غابت النتائج الثقيلة عن الجزائر منذ 21 عاما، أي منذ الفوز بسباعية كاملة على مالي في سنة 1981 بملعب الشهيد أحمد زبانة بوهران، عادت الانتصارات الثقيلة من جديد في سنة 2003 وفي إحدى السهرات الرمضانية بملعب 5 جويلية الأولمبي.

رمضان 2006… سهرة رمضانية في 5 جويلية وفوز صعب على غامبيا

عندما يتعلق الأمر بالمنتخب الوطني وبإحدى السهرات الرمضانية في ملعب 5 جويلية، فإنّ الجمهور الجزائري سيكون حاضرا بقوة في المدرجات، وهو ما حصل فعلا في لقاء “الخضر” وغامبيا برسم الجولة الثانية للتصفيات المؤهلة إلى “كان 2008″، وانتهت تلك المواجهة بفوز صعب لأشبال الفرنسي جون ميشال كافالي وبهدف يتيم من توقيع كريم زياني عن طريق ركلة جزاء قبل ربع ساعة من النهاية، ولكن وسط أجواء رائعة صنعها الأنصار الجزائريون على غرار السهرات الرمضانية المنقضية.

رمضان 2008… “الخضر” يتجاوزون السنغال في مباراة خالدة

في مباراة كانت تعتبر الأمل الوحيد لأشبال سعدان من أجل الحفاظ على كامل حظوظهم قائمة للتأهل إلى الدور الأخير من تصفيات قارة إفريقيا المؤهلة إلى كأس العام بجنوب إفريقيا، استقبل المنتخب الوطني على ملعب مصطفى تشاكر نظيره السنغالي في أمسية رمضانية، حضرها أكثر من 40 ألف متفرج ضاقت بهم مدرجات ملعب البليدة، المنتخب الوطني كان أمامه خيار واحد وهو تحقيق الفوز، الأمر الذي تأتي له في الأخير، لكن بعد جهد جهيد وفي مباراة “دراماتيكية” ستبقى خالدة في تاريخ الكرة الجزائرية.

بزاز يقلب مجربات اللّقاء و3 أهداف في ربع ساعة

بداية اللقاء لم تكن كما تمناها “الخضر”، حيث ساد الارتباك دفاع المنتخب الوطني وظهر الخلل واضحاً بين الثنائي بوقرة ـ عنتر يحيى، الأمر الذي استغله المنتخب السنغالي وافتتح مجال التهديف مع نهاية الشوط الأول بهدف ايسيار ديا، لتثور الجماهير في وجه الناخب الوطني واللاعبين. مجريات الشوط الثاني شهدت تحول كلي لمجريات اللّعب، فبعد عمل فردي خالص من المتألق ياسين بزاز تمكن “الخضر” من تعديل النتيجة بعد ربع ساعة من اللعب، قبل أن يمنح صايفي هدف السبق عشر دقائق بعد ذلك، ليعزّز عنتر يحيى النتيجة بهدف ثالث وتلتهب مدرجات مصطفى تشاكر، هذا، وتمكّن المنتخب السنغالي من تقليص الفارق بهدف ثاني خلال آخر مجريات اللقاء لم يغير في النتيجة شيء.

رمضان 2009… هدف صايفي يُنجي “الخضر” من فخ زامبيا

بعد عودته بفوز من “تشيلامومبي” في زامبيا بداية شهر جوان من نفس السنة وتصدره المجموعة، كان لابد على المنتخب الوطني تأكّيد نتيجة مباراة الذهاب وتكرار الفوز على  رفقاء كاتونغو من جهة، وتعزيز الحظوظ في التأهل إلى المونديال من جهة أخرى، وكما كان متوقعاً واجه “الخضر” مأمورية صعبة للغاية أمام منتخب زامبي متكامل لعب دون عقدة، وعجز لاعبو المنتخب الوطني عن زيارة الشباك الزامبية طيلة المرحلة الأولى، رغم بعض الفرص المحققة التي أتيحت لهم.

حظوظ المنتخب الوطني تتعزّز في التواجد بجنوب إفريقيا

بعد مرور 15 دقيقة من مجريات الشوط الثاني، ظهر مطمور ليقوم بعمل جبار بعد تمريرة من زياني، حيث انطلق لاعب أنتراخت فرانكفورت الألماني على الجهة اليسرى من الدفاع الزامبي الذي عجز عن إيقافه، ليوزع  كرة على طبق لم يجد صايفي أي صعوبة في إسكانها الشباك ويحرر الجميع بعد معاناة كبيرة، هذا وأتيحت للمنتخب الوطني بعد ذلك عديد الفرص السانحة بواسطة مغني وغيلاس، لكنهم عجزوا عن مضاعفة النتيجة، وشهدت الدقائق الأخيرة من المواجهة عودة زامبية، حيث خلق  أشبال المدرب رونار بعض الفرص السانحة، لكن دون زيارة شباك لوناس قواوي، لتزداد بعد ذلك حظوظ “الخضر” في المرور إلى المونديال بعد تصدره المجموعة.

رمضان 2010… الجمهور الجزائري يستقبل الموندياليين بخسارة مع الغابون

بعد المشاركة في مونديال 2010 بجنوب إفريقيا، سنحت الفرصة للجمهور الجزائري من أجل استقبال المنتخب الوطني في لقاء ودي جرى بملعب 5 جويلية خلال شهر أوت والذي تزامن مع شهر رمضان الفضيل، حيث لعبت المباراة في سهرة رمضانية مميزة وعرفت أداء باهتا لزملاء رفيق جبور الذي سجل الهدف الوحيد لـ”الخضر” الذين تلقوا الهزيمة بنتيجة (2-1)، وهو ما خلف الكثير من الاستياء والانتقادات الموجهة إلى رابح سعدان قبل الخوض في غمار تصفيات كأس إفريقيا 2012.

رمضان 2011… مغمورو تانزانيا يُطيحون برأس سعدان

في أول تجربة رسمية بعد العودة من مونديال جنوب إفريقيا واجه المنتخب الوطني في سهرة رمضانية وافقت 3 سبتمبر 2010، منتخب تانزانيا المجهول آنذاك، برسم الجولة الأولى من التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2012، وهي المباراة التي كان يُعول عليها الجمهور الجزائري كثيراً لتحقيق فوز سهل، غير أنّ واقع الميدان  كان له كلام آخر، وتقدم المنتخب التنزاني بهدف بداية من (د32) بعد مخالفة بعيدة فاجأ بها عبدي قاسم  الحارس مبولحي الذي عجز عن صد التسديدة القوية، وسط تصفيرات وامتعاض شديد من الجماهير التي غضت بها مدرجات ملعب الشهيد مصطفى تشاكر، وقبل نهاية الشوط الأول بدقائق قليلة ظهر قديورة ليوجه تسديدة صاروخية سكنت الشباك التنزانية ليهدي التعادل للمنتخب الوطني، في شوط الثاني عجز “الخضر” عن الوصول إلى الشباك من جديد رغم المحاولات العديدة التي خلقها كل من زياية، جبور والبديل عبدون، غير أنّ استماتة الدفاع التانزاني حالت دون ذلك، لينجح في اقتناص نقطة ثمينة من تشاكر.

“الشيخ” يرمي المنشفة بعد الضغوطات

امتعاض شديد سجل على جمهور ملعب تشاكر الذي طالب بعد نهاية المباراة بإقالة رابح سعدان، ليستجيب للضغوطات ويرمي المنشفة بعد تجربة دامت سنتين ونصف رفقة “الخضر” نجح من خلالها في اقتطاع تأشيرة المرور إلى كأس العالم بجنوب إفريقيا، هذا واستجابت الفاف لمطلب سعدان الذي أقنع بتبريراته مسؤولي الاتحادية، قبل أن تُعيّن عبد الحق بن شيخة مدرباً جديداً لرفقاء زياني.

إعداد: سنينة مختار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
P