المحليتحقيقات وروبورتاجات

أبطال في أعيننا… عبئ على بعض المسؤولين “نجوم الكرة الجزائرية من الشهرة إلى النسيان”

من من الجزائريين لا يحفظ ثلاثة أسماء على الأقل لنجوم صنعوا أفراح المناصرين في عز عطائهم الكروي، حيث سجلت الذاكرة الجماعية صورا خالدة وأهازيج ارتبطت بهذا الإسم أو ذاك، ومع ذلك فصانعو فرحة الشعب في السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات لم يكن حظهم من الفرح غير فواصل زمنية تلاشت بعد الاعتزال تاركة وراءها واقعا آخر مشبعا بالتهميش، وإدارة الظهر بالنسبة للبعض، والبعض الآخر وجد نفسه يجري خلف مهن يسترزق بها، وفئة ثالثة مبحوث عنها لأنها غابت عن الأنظار ولا يعرف إن مازالت حية أم ماتت، لأن العديد من اللاعبين الدوليين عرفوا نهايات مأساوية على الصعيدين الاجتماعي والإنساني، لدرجة عانى ويعاني فيها بعضهم تهميشا قاسيا وصل حد إدارة الوجه عنهم ، وانتهى الأمر بالبعض منهم إلى العمل في مهن بسيطة على شاكلة “ما نوفر” ، هل هذا كل شيء؟ طبعا لا.

تكريس ثقافة النسيان ظلم في حق من صنعوا فرحة الشعب

هو مصير نجوم كثر، مروا بالمنتخب الوطني والأندية ولم نعد نسمع عنهم، وغابوا وسط الزحام أو انهال عليهم غبار ذاكرة أصبحت تحفظ المآسي أكثر من أي شيء آخر. هم أبطال في أعيننا… عبئ على بعض المسؤولين. ضحوا بالغالي قبل الرخيص في سبيل الجِلد المُدوّر، مَنحوا اللعبة قلبهم ووهبوها حياتهم، في وقت كانت تركل فيه الكرة حبّاً في الرياضة، ووفاء لقميص نادٍ أو لإعلاء راية الوطن خارج أراضيه. هو زمن ولّى وحِقبة لم تكن فيها الكرة تبيض ذهباً.الأبطال الذين صنعوا تاريخ كرتنا الوطنية لم يخطر ببال معظمهم أن “الهواء” الذي يعطي للكرة شكلها قد يمتد إلى جيوبهم، وأن صيحات الأنصار التي دفعتهم إلى الإبداع في المستطيل الذي لم يكن كله أخضراً، قد تتحول في المستقبل إلى أنين في صمت، ودعوات لطلب المعونة. أبطالنا لاعبون، مُدربون ورموز ستظل خالدة رغم إقبارهم لها بالتهميش، بعضهم يطالب بالدعم والبعض الآخر ينتظر تكريماً أو اعتراف، أما آخرون فأوراق سَخائهم الكروي قد ذَبلت وطواها الزمن، يعاني أغلبهم أمراضاً مزمنة، آثروا الابتعاد في صمت… تلك أوراقهم فمن يُقلّبها؟

تهميش اللاعبين السابقين ظاهرة وطنية وليست حصرية

تهميش قدامى الرياضيين وعدم الاعتراف بإسهاباتهم في خدمة الرياضة وتطويرها ، ظاهرة لا تخص مدينة بالجزائر دون سواها ، فهي قاسم مشترك بين جميع المدن الجزائرية ، ذلك أن انتشار ثقافة التقدير والاعتراف بما حققه الرياضيون إما على الصعيد الوطني أو العالمي تبقى جد محصورة ، لا نكاد نلامسها إلا نادرا وضمن مبادرات لبعض الجمعيات ، ولنا في بعض الأسماء الكبيرة من لاعبين ومسيرين وإعلاميين رياضيين عانوا في صمت و الأمثلة كثيرة وثمة وجوه عديدة بالمدن الجزائرية لم تحظ بتكريم والتفاتة تقديرا لها ولإنجازاتها ،  وبشكل أكثر فإن تهميش  قدامى الرياضيين ، لاعبين ومسيرين وإعلاميين عادة سيئة ، فقامات كبيرة غادرتنا إلى دار البقاء في صمت دون أن تحظى باعتراف وتقدير .

هل بات بعث صندوق اجتماعي لإنقاذهم ضرورة قصوى؟

معاناة رياضيين كِبار أغلبهم شارك رفقة المُنتخب وبعضهم اضطر لتوديع اللعبة لإصابة تلقاها رفقة النخبة الوطنية أو الأندية المحلية أصبحوا اليوم غير مُصنّفين أو “ليسوا أبطالاً” بتعبير أدق، يستفيدون فقط من التهميش، وهو دور أبى مسؤولو كرة القدم الجزائرية ورؤساء الأندية إلا أن يلعبوه ويتقمصوه دوماً، وكأنهم يغارون من ذكر أسماء أعطت ولم تأخذ، أو لحَجب عجز المسؤولين عن وضع سياسة ناجحة تُعطي جِيلاً بمهارات وقُدرات مُماثلة لأجيال الماضي. لماذا لا تخصص نسبة معينة من ميزانية الفاف لتوفير عَيش كريم لنجوم “غَير مُصنفين” أو “لم تُنصفهم الكرة”، أو إلزام الأندية بتخصيص نسبة صغيرة من ميزانيتها السنوية وَضخّها في حسابات جمعية متخصصة تشرف على رعاية هؤلاء، هي فقط تساؤلات تنتظر الإجابة. والسؤال هو ماذا قدمنا نحن لهؤلاء الأبطال؟!

لهلالي عكاك مثال عن المعاناة… عانى في صمت ورحل في صمت

اللاعب الدولي السابق لهلالي عكاك الذي كان وفيا للنصرية منذ مطلع السبعينيات موازاة مع قدومه من شباب الميلية إلى مطلع الثمانينيات، عاش الفترة الذهبية للنصرية، ناهيك عن حمله ألوان المنتخب الوطني في عدة مناسبات، قبل أن يعيش بقية حياته في صمت وسط متاعب مادية وأخرى صحية إلى غاية وفاته. أجمع الكثير ممن يعرف اللاعب الراحل لهلالي عكاك على المكانة المحترمة التي يحظى بها وسط أنصار وأسرة نصر حسين داي، بالنظر إلى المسار الإيجابي الذي حققه مع النادي رفقة لاعبين كبار، في صورة فرقاني وقندوز وزرابي وغيرهم، إلا أن البعض أكدوا بأن هذه المكانة المميزة لم تكن كافية لمده يد العون، حيث عانى في صمت من الناحية المادية والصحية، إلى غاية وفاته ودفنه في مقبرة قاريدي، وهو التساؤل الذي طرحه بعض الأشخاص حول مصير شريحة واسعة من اللاعبين القدامى الذين قدموا الكثير فوق الميدان وفي المستوى العالي، ليجدوا أنفسهم في النهاية دون معاش ولا تأمين ولا رد للاعتبار، ما جعل الكثير منهم يفتقدون إلى منزل يأوي عائلتهم أو مدخول شهري قار يسدون به رمق عيش أهلهم وذويهم. حيث أن اللاعب الراحل لهلالي عكاك قد لجأ إلى العمل “كلونديستان” بسيارته من نوع “ماريتي” مهترئة لضمان مصروف اليوم، ووصل به الأمر إلى العجز عن ضمان القيمة المالية اللازمة لإصلاح سيارته التي كانت في مرحلة ما مصدر عيشه، ما جعل بعض محبيه ومقربيه يقدمون له يد العون وفق إمكانياتهم وظروفهم.

ومعلوم أن اللاعب الراحل لهلالي عكاك يعد من مواليد 16 جويلية 1952 بالميلية، حيث حمل ألوان المنتخب الوطني في 5 مباريات نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات، فيما دشن مسيرته الكروية مع فريق مسقط رأسه شباب الميلية، قبل أن يحول الوجهة إلى نصر حسين داي عام 1967، وبقي وفيا لهذا النادي إلى غاية موسم 80-81، ويجمع الكثير على إمكانياته فوق الميدان وحسن أخلاقه فوق الميدان وخارجه. أكثر شيء يعانيه لاعب كرة القدم بعد الاعتزال هو التهميش من الوسط الرياضي مما يجعل مصير كثير من الرياضيين السابقين العزلة بعيداً عن الأضواء. فاللاعبون القدامى يتألمون من الداخل بسبب أن الجماهير والمسؤولين الرياضيين نسوا تاريخهم في المستطيل الأخضر وأصبحوا مجرد هامش لا يذكر، فلا قول ينطبق على حال هاته الفئة إلا قول الحق: “وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان”.

سنينة مختار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
P